يحاول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اعادة تفعيل دور القطاع المصرفي وتدعيم قدراته واحتياطاته بالعملات الصعبة ليتمكن من الصمود خلال هذه الفترة الحرجة جدا في تاريخ القطاع المصرفي خصوصا والاقتصاد اللبناني عموما. وما اصداره تعاميم ألزم فيها المصارف برفع رأسمالها 20% وتكوين سيولة 3% لدى المصارف المراسلة إلا خطوة في طريق طويل سيعتمده “المركزي” مستقبلا بالتعاون مع المجلس النيابي لإقرار قوانين جديدة تفضي الى هيكلة رشيدة للقطاع وتنقيته من مكامن الضعف والخلل لإستعادة ثقة المودعين به في الداخل اللبناني وصولا الى المغتربات.
غالبية المصارف العاملة إلتزمت بكامل مندرجات التعاميم التي أصدرها المركزي إلا قلة تنامى الى “النهار” انها تعاني من بطء في تأمين السيولة اللازمة وعدد ضئيل جدا، ربما، قرر الخروج نهائيا من السوق لكنهم ينتظرون قرار “المركزي” ذات الصلة للإتفاق معه حيال الذهاب إما الى الدمج أو الى البيع، أو ربما كما تداول بعض الخبراء المصرفيين تجميع المتعثرين كلهم في رخصة واحدة تحت رعاية مصرف لبنان حماية للودائع في هذه المصارف.
من المعروف ان التعميم 154 ألزم المصارف برفع رأسمالها بنسبة 20% ووضع 3% من ودائعها الاجنبية لدى المصارف المراسلة، وفرض على المصارف “حض” عملائها من المودعين والمستوردين لإعادة 15% من تحويلاتهم بين أول تموز 2017 ومنتصف عام 2020، ووضعها في حساب مجمد لمدة 5 سنوات، كذلك فرض على أعضاء مجالس إداراتها وسائر الأشخاص المعرضين سياسيا إعادة 30% إلى حسابات مجمدة لخمس سنوات أيضا.
لكن جمعية المصارف التي كانت تمنن نفسها بتمديد “المركزي” لمهلة تنفيذ مادتين في التعميم المذكور ابرزها المادة المتعلقة بزيادة الـ20% على رأس المال والمادة الخاصة بإعادة تكوين معدل 3% في حساباتها لدى البنوك المراسلة. وعلم في هذا السياق، أن المصارف استطاعت الالتزام بزيادة الـ 20% في ما عدا مصرفين او ثلاثة، إلا ان التقصير برز على مستوى الشق المتعلق باعادة تكوين نسبة الـ 3% والتي تصل قيمتها إلى نحو 3.3 مليارات دولار، حيث علم أن بعض المصارف الكبرى لا يزال يحتاج إلى بعض الملايين من الدولارات لتأمين الاموال المطلوبة. فما هي الاجراءات أو الوسائل التي اعتمدتها المصارف للالتزام بالتعميم؟.
سادت اتهامات بأن ارتفاع الدولار سببه امتصاص المصارف للدولار من السوق وهي اتهامات دحضها البعض عبر تأكيدهم أن المطلوب لحاجة المصارف يفوق بعشرات الاضعاف قدرة السوق على تأمينه، فيما استطاعت المصارف بغالبيتها تأمين حاجاتها من السيولة التي استحصلت عليها من خلال بيع وحدات مصرفية تابعة لها في الخارج ومن موارد خاصة بأصحاب المصارف والمساهمين. وأشيع ان بعض المصارف عمدت الى بيع شيكات مصرفية بأقل من 30% من قيمتها (مقابل 3 ملايين دولار نقدا، يحرر المصرف شيكا بـ10 ملايين دولار)، ومضاعفة الودائع بأكثر من 3 أضعاف قيمتها عبر تحويل كل مليون دولار “طازج” يودعها الزبون في المصرف إلى حساب بـ3 ملايين دولار، ولكن من دون تمكين المودع سحبها نقدا). ويبدو واضحا ان “المركزي” كان متساهلا مع المصارف، إذ في ما خص زيادة رأس المال، سمح لهم في بيع سندات الدين بالعملات الأجنبية (اليوروبوندز) التي تملكها في الخارج. واكد الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ”النهار” أن التعميم 154 فتح أكثر من باب للمصارف، ومن هذه الأبواب السماح لها باستخدام عقارات (المتملكة استيفاء لديون موقوفة اومشكوك بتحصيلها عملا باحكام المادة 154 من قانون النقد والتسليف)، وإعادة تقييم عقاراتها وزيادتها إلى الأموال الخاصة (الرساميل)، كما سمح لهم بإجراء سوابات لبعض الودائع الطويلة الامد لتعزيز رساميلهم.
لا يبدو حمود قلقا على قدرة المصارف تنفيذ التعميم 154. فمعظم المصارف انجزت عملية زيادة رساميلها، إذ وفق ما قال “كل المصارف التزم بالتعميم في ما عدا عدد قليل جدا منها لا يزال قيد الدرس”. ولكن، المشكلة الاساسية برأيه ليست في تطبيق التعاميم، بل بعدم لحظها حقوق المودعين. وكان الاجدى لو تم تخصيص 1% من سيولة الـ3% التي فرض على المصارف تأمينها ليكون في مقدور المودعين سحبها بالدولار خلال مدة سنة، أو على الاقل ايداعها “Fresh Money” والاتفاق لاحقا على تنظيم سحبها من خلال القانون.
وبعيدا عن الاجراءات التي قامت بها المصارف بغية الالتزام بمندرجات التعميم، يرى حمود ان
الازمة لم تعد أزمة مصارف لكي يعول على التعاميم، بل اصبحت أزمة نظام. فالبنك المركزي في أزمة وكذلك خزينة الدولة، لذا لن تنفع التعاميم لاعادة هيكلة القطاع المصرفي. وثمة أسئلة طرحها حمود عن الايجابية التي انعكست على المصارف بزيادة الرساميل فيما ودائع المصارف محتجزة في البنك المصرفي، و”لمن السيولة التي استطاعت المصارف تأمينها”؟، وهل يمكن أن نعتبرها Fresh Money؟ ولمن تعود ملكية الاموال التي كونتها المصارف في الخارج والتي تصل قيمتها إلى نحو 3.3 مليارات دولار؟. الى ذلك، ثمة مصارف استطاعت تأمين السيولة عبر بيع سندات خزينة بالدولار وأخرى عبر بيع موجوداتها في الخارج، والسؤال “الدولارات التي أمنوها ملك من”؟ ليختم أن الاولوية يجب أن تكون للمودعين وليس للمصرف.
وإذ رأى أن القطاع المصرفي لم يعد موجودا، بدليل أن المصارف لا تسلف أحدا ولا تعطي الدولار، قال “المطلوب اليوم قوانين لفصل الدولار القديم عن الدولار الجديد لحماية المصارف من قانون الافلاس رقم 2/67 واعادة تنظيم القطاع المصرفي رسملة وسيولة وادارة وربحا وملكية”.
ولكن الانتقادات التي يسوقها حمود لا تعني انه يعارض التعميم الـ 154، وإن كان هذا التعميم وغيره من التعاميم هدفهم تنظيمي لا علاجي. فالمشكلة برأيه تتجاوز التعاميم خصوصا وان الازمة ليست أزمة مصرف، بل أزمة قطاع وازمة نظام مصرفي.. واكثر فإن حمود يتطلع الى تعاميم أخرى لتعزيز وضع المصارف من حيث السيولة والملاءة. ولكن هل سيكون في مقدور المصارف الالتزام بتعاميم أخرى مشابهة؟ لا يرى حمود صعوبة في ذلك إذ يمكن للمصارف ان تجذب مساهمين جدد او شركاء استراتيجين، ولكن لكي تستطيع المصارف استعادة ثقة المودعين واستقطاب مودعين جدد يجب أن يكون هناك قانون لمعالجة الازمة ككل”.
وفيما أكدت مصادر مصرفية أن دخول رساميل جديدة الى لبنان يحتاج على الاقل سنة او اكثر بعد استتباب الوضع ومباشرة تنفيذ الاصلاحات وضخ سيولة من صندوق النقد، أكد حمود بدوره ان عودة القطاع المصرفي تتطلب دخول رساميل وودائع جديدة بدولار جديد، وتسليف جديد بدولار جيد، وسيولة جديدة وادارات جديدة وربما الى ملكية جديدة واسم جديد. فالقطاع المصرفي اللبناني، يحمل كتلة نقدية جامدة بنحو #105 مليارات دولار يصعب تذويبها أو تسييلها وفق الآليات التقليدية المعروفة، وهي تمثل إجمالي الودائع المتجمدة فعليا، وتاليا لا يمكن تذويبها الا بـ 3 اتجاهات إما سحبها وإيداعها في المنازل، وإما تحويل الدولارات الى الخارج، أو تسديد الديون”.
واعتبر أن ثمة مبالغة بالتركيز على التحويلات الى الخارج، فهي تقدر بـ 12 مليار دولار بما فيها الاموال التي وضعت في المنازل والتي سحبت بالتجزئة. ولكن هذا المبلغ وفق ما يقول هو من أصل الـ140 مليار دولار، فيما لا يزال هناك 105 مليار دولار عالقين في الداخل.