كتبت ناديا الحلاق في “أحوال ميديا”:
مع اقتراب انتهاء مفعول التّعميم 151 الصّادر عن مصرف لبنان بتاريخ 21 نيسان 2020، الممدّد له أصلاً، والمتعلّق بإجراءات استثنائيّة حول السّحوبات بالعملة الأجنبيّة، والذي يتيح للمودعين إجراء عمليّات السّحب من المصارف من أرصدة الدّولار الأميركي، أو أيّ من العملات الأجنبيّة، بما يوازيه باللّيرة اللّبنانية وفقًا لسعر السّوق المعتمد فـي المنصّة الالكترونيّة لعمليّات الصّرافة، أيّ 3900 ليرة، يكثر الحديث عن تعديل سعر صرف الدّولار المُعتمد في المنصّة والمصارف، بالتّوازي مع رفع سقوف السّحوبات النّقدية الشّهريّة على الدّولار واللّيرة عبر الصرّافات الآليّة. فهل سيمدّد مصرف لبنان مفعول التّعميم أم سيتّجه فعلاً نحو إصدار تعميم جديد لزيادة سعر الصّرف المعتمد حاليّاً؟
السّحب على 5000 ليرة
مصدر مصرفيّ يؤكد لـ “أحوال” أنّ سعر صرف الدّولار المعمول به في المصارف لن يستمرعلى 3900 ليرة للدّولار، وهناك اتّجاه نحو رفعه، القرار سيحسم في الأيّام المقبلة بين المصارف ومصرف لبنان.
ويضيف، قد تعتمد المصارف سعر صرف 5000 ليرة كحلّ ووسط للدّولار قبل نهاية شهر آذار الحالي. ويتابع المصدر، كما سيتم رفع سقوف السّحوبات النّقديّة الشّهرية في المصارف حسب قيمة الإيداعات، على أن تحدّد المصارف المبالغ التي يمكن للمودعين سحبها، من داخل المصرف مباشرة أو عبر الصرّاف الآليّ سواء بالدّولار أو باللّيرة. وحاول “أحوال” الاتصال بمصادر من مصرف لبنان، إلاً أنّها تمنّعت عن التعليق. فهل رفع سعر صرف الدّولار المعمول به في المصارف، وفي المنصّة الإلكترونيّة، سيطمئن المودعين أم أنه سيزيد الاحتقان والغضب ويدفعهم للنّزول إلى الشّارع؟
خدعة أرقام
هادي جعفرعضو مؤسس في رابطة المودعين، يشير إلى أنّ هذه الخطوة قد تساعد في البداية على امتصاص بعض الغضب لدى المودعين بالدّولار، لكنّها سرعان ما سوف تتبدّد ويتضّح للمودع أنّها مجرّد خدعة أرقام، وأن الهيركات المقنّع على وديعته لا زال كما هو وربّما ارتفع.
مهارات التّلاعب
ويتابع، إنّ رفع سعر الدّولار في المصارف إن حصل، فهو إبرة مورفين جديدة سوف يحاولون بها شراء الوقت، وهي تتماشى مع كل ما يقوم به حاكم مصرف لبنان من قرارات وخطوات إعتباطية لا تقدّم حلّاً شاملاً للأزمة، إنّما خطوات لحظيّة مؤقّتة تزيد من حدّة الأزمة، وتمعن في زعزعة الاستقرار الماليّ وتفقير المواطن والمودع، لصالح حماية أصحاب المصارف، وربما تغطية ارتكابات ما لمصرف لبنان.
وعن موقف المودعين من القرار، يقول جعفر، سنتعامل معه إن اتّخذ كما تعاملنا مع تعاميم الحاكم السّابقة، باعتبارها غير قانونيّة ومخالفة لقانون النّقد والتّسليف، وللدّستور اللّبناني والقوانين المرعيّة؛ وتعاميم الحاكم لا تأخذ قوّة القانون وبالتّالي غير ملزمة للمودعين، إلا أنّ إقرار عدم إلزاميّتها يحتاج لموقف من القضاء، ورابطة المودعين قدّمت إخباراً لدى النّيابة العامّة.
توخّي الحيطة والحذر
وينبّه المودعين إلى عدم الوقوع في فخّ الأرقام وإبر المورفين، وأن لا يرضخوا للأمر الواقع ويسحبوا ودائعهم على أسعار صرف وهميّة لا تساوي السّعر الحقيقي.
ولكل من يجبر على السّحب من وديعته بسعر أقل من سعر الصّرف الحقيقي، تدعوه الرّابطة إلى الاحتفاظ بايصالات السّحب والحصول على كشوفات حساب دوريّة، لأنه يحقّ للمودع أن يطالب بتعويضات عن فرق سعر الصّرف، الذي أجبر على قبوله بشكل تعسّفي.
إلى الشّارع درّ
ويلمّح جعفر إلى خطوات اعتراضيّة تصعيديّة في الأيّام المقبلة أمام المصارف والمرافق العامّة المعنية، ويقول: سوف تعمل الرّابطة مع الحلفاء على تحرّكات في الشّارع، كما وتستمر في العمل القانونيّ اليوميّ مع المودعين اللّبنانيين داخل لبنان وفي الخارج.
ويردف، نحن جزء من تحالف قطاعات اقتصاديّة، ننسق معاً لمواجهة المصارف بشكل فعّال، وجزء من تحالف استقلال القضاء حيث نريد ونطالب القضاء أن يحكم بالحقّ وبما ينصّ عليه القانون، فالقانون لصالح المودعين. إنّ حماية المصارف تدمّر الثّقة فيه وبالاقتصاد اللّبناني، حيث لن يثق أي مستثمر بوضع أمواله بالقطاع المصرفي في لبنان طالما أنّ القضاء لا يحميه.
حماية المستهلك
من جهتها، تقول ندى نعمة نائب رئيس جمعيّة المستهلك، أنّ رفع سعر صرف الدّولار في المنصّة الالكترونيّة لا بد أن يقابله عمليّة طباعة للعملة الوطنيّة، فضخّ العملات النّقديّة في السّوق يجب أن يتناسب مع حجم الاقتصاد والانتاج المحلي. وذلك بهدف جعل العملة المتداولة في السّوق ذات قيمة حقيقيّة وليست مجرد أوراق مطبوعة.
وتضيف، في لبنان إن تم رفع سعر صرف الدّولار في المنصّة، سيتم ضخّ عملات نقديّة بشكل يفوق حجم الاقتصاد، وتكون النّتيجة تراجعاً في القيمة الشرائيّة للعملة وارتفاعاً بالأسعار، وبالتّالي ارتفاع التّضخّم، ما يؤثر سلباً على المستهلك اللبناني.
ومن شأن التّضخّم أيضاً زيادة العبء على القروض، لاسيما على أولئك المقترضين بالدّولار الأميركي؛ إذ ستزيد تكلفة العملة عليهم مقابل الدّولار.
تضخّم غير مسبوق
القرار المرتقب لإسكات المودعين سيقابله تداعيّات سلبية تنعكس بالدّرجة الاولى على المودع، إذ يوضح المحلّل الاقتصادي محمد فاعور، أنّه في حال تمّ رفع سقوف السّحوبات النّقديّة الشّهريّة من قبل المصارف بالتّزامن مع رفع سعر صرف الدّولار وفق المنصّة الإكترونيّة، قد يؤدي الى زيادة القدرة الشرائيّة بصورة مرحليّة للمودع ولكن سرعان ما تتآكل هذه القدرة نتيجة التّضخم الذي سيحصل من جرّاء هذا الإجراء.
وعلى المدى المقصير والمتوسط، فإنّ زيادة الضّغط على سعر الصّرف في السّوق السّوداء، نتيجة وفرة اللّيرة النّقدية سيؤدي إلى تبعات سلبيّة على سعر الصّرف وبالتّالي على زيادة الأسعار.
أمّا على المدى المتوسط والطويل، سيضطّر مصرف لبنان إلى طباعة عملات باللّيرة اللّبنانية، وزيادة الكتلة النّقدية المتزايدة أصلاً تزامناً مع انخفاض حجم الاقتصاد وصلا إلى مستويات غير مسبوقة، بحسب فاعور.
طباعة عملة
وعلى الخط نفسه، يرى الخبير الاقتصادي علي حمّود أنّه إذا اتّجه البنك المركزيّ إلى إصدار تعميم لرفع سقف السّحوبات، و بالتّالي رفع السّعر على المنصّة وهذا يتطلّب من المركزيّ طباعة العملة، ما سيؤدي الى مزيد من التضخم و ارتفاع سعر الصّرف في السّوق السّوداء.
تهافت على الدّولار
فعندما تتيح للمودعين سحب مبالغ عالية، مع فقدان الثّقة بالعملة الوطنيّة يتّجه المواطنون إلى شراء الدّولار، وهذا يعني مزيد من الارتفاع في سعر صرف الدّولار، فتدخل على خط ّهذا الارتفاع لعبة المضاربة.
ويضيف حمود، في بعض الدّول التي يتمّ اللّجوء فيها إلى طبع العملة، فإن هذه المبالغ لا توضع لسوق الاستهلاك، بل توظّف في القطاعات الإنتاجيّة، لأنّ الضّخّ في القطاعات الانتاجيّة تمكّن المصانع والقطاعات الزّراعية تلبية حاجة السّوق المحليّ، والاستغناء عن الاستيراد أو تصدير هذه المنتجات و إدخال عملة صعبة.
ومن جهة أخرى، فإنّ ضخّ السّيولة بالعملة الوطنيّة قد ينعكس ارتفاعاّ في الأسعار لأنّ ازدياد الطّلب وتوافر السّيولة سيدفع التّجار إلى رفع الأسعار.