تشكل المعضلة اللبنانية أولوية للفرنسيين. ومنذ مدة، يستخدم المسؤولون الفرنسيون لدى تناولهم التطورات في لبنان عبارة: “ممارسة الضغوط”. وتصريحات وزير الخارجية جان إيف لودريان الأخيرة، جاءت خلال اتصاله بالرؤساء ميشال عون، نبيه برّي، وسعد الحريري.
العقوبات: باسيل أول الغيث
ولكن باريس اليوم تدقق وتمحص في آلية فرض عقوبات، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، ضد مسؤولين لبنانيين أو رجال أعمال يرتبطون بهم أو يرتبطون معاً بشراكات.
وتكشف معلومات، أن التركيز جارٍ على المقربين من رئيس الجمهورية وصهره رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل. فدوائر القرار الفرنسية تحملّهما مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة. أما باسيل فلا يهتم لمثل هذه العقوبات، بعدما عوقب أميركياً أقسى أنواع العقوبات. ولا يمكن أن يكون لتلك الأوروبية تأثير إضافي، ما دامت الأميركية تطبق في أوروبا.
والجديد هو أن تشمل العقوبات الأوروبية حظر السفر، من دون اقتصارها على سياسيين متهمين بتعطيل تشكيل حكومة، بل تشمل مصالحهم وأشخاص أو شركاء يرتبطون بهم مالياً. ولا تخفي المصادر صعوبات إيجاد صيغ قانونية وآليات واضحة لفرض العقوبات. ولكن التنسيق مستمر، خصوصاً بين فرنسا وسويسرا وبريطانيا. وهناك حركة حسابات مالية للبنانيين تخضع لعمليات تدقيق في هذه الأيام.
وتتطابق هذه المعطيات مع ما قاله أحد الديبلوماسيين لـ”المدن” قبل أيام، لدى سؤاله عن سر حركة السفراء والديبلوماسيين في بيروت. ويقول الديبلوماسي إن المجتمع الدولي رصد عملية تحريك أموال لأصحاب حسابات كبرى، بعضها تحرك من أوروبا وأفريقيا في اتجاه دول الخليج، وهناك تنسيق كامل بين هذه الدول في سبيل رصد ومراقبة حركة الأموال هذه، وأسبابها. وهناك احتمال فرض عقوبات خليجية على أصحابها أو مرتبطين بهم، لا سيما إذا ما ثبت تورطهم بملفات فساد أو بتعطيل الحلّ في لبنان، إنطلاقاً من تعطيلهم عملية تشكيل الحكومة.
خوف من هجرة اللاجئين
واليوم الخميس 1 نيسان هناك اجتماع آخر لدول الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة الأميركية. وتشير تقديرات إلى أن باريس ستطرح الملف اللبناني على طاولة البحث، وسط معلومات تفيد بأن فرنسا ستكثف تحركاتها واهتمامها لممارسة المزيد من الضغوط التي تجبر القوى اللبنانية على التنازل.
وما تريده فرنسا هو تقديم تنازلات متبادلة، ولم يعد المهم تشكيل حكومة بمواصفات مكتملة -وهذا موقف أطلقه الرئيس إيمانويل ماكرون سابقاً- لكن الأهم هو تشكيل حكومة تراعي تطلعات المجتمع الدولي، وتنفذ برنامج الإصلاح، لأن لبنان بلا حكومة يسير على طريق انهيار سحيق. انهيار ينعكس على دول المنطقة وأوروبا أيضاً. خصوصاً في ما يتعلق باللاجئين السوريين وامكانية تسربهم عبر البحر في اتجاه دول أوروبية.
وتكشف معلومات، أن الملف اللبناني لا يزال حاضراً بقوة في مباحثات كل السفراء، واستمرار الانهيار قد لا يؤدي فقط إلى هجرة سورية قسرية ثانية، إنما أيضاً إلى استغلال الأوضاع المعيشية الصعبة لإحداث توترات أمنية في لبنان.
مبادرة برّي
ولا تنفي المصادر عدم الوصول حتى الآن لآلية واضحة لفرض العقوبات أو ممارسة الضغوط. ولذلك يفضل المسؤولون الفرنسيون استخدام كلمة “ممارسة ضغوط”، بدلاً من فرض عقوبات.
لكن التنسيق الفرنسي كامل مع الولايات المتحدة الأميركية. وهناك سعي حثيث للتفاهم مع دول الخليج، وخصوصاً مع المملكة العربية السعودية، لا سيما بعد اتصال تلقاه وزير الخارجية السعودي السابق، عادل الجبير، من مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل.
محلياً لم يحصل أي تطور حتى الآن. الرئيس نبيه برّي متمسك بمبادرته: حكومة من 24 وزير، بلا ثلث معطل. وينتظر برّي من حزب الله العمل على مساعدته لإنجاح هذه المبادرة. وهو يستعد في الأيام المقبلة لإرسال موفد من قبله للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون، والبحث في هذه المبادرة وإمكان أن تؤدي إلى تشكيل حكومة، أو أن تنكشف المشكلة في مكان آخر خارج سياق الأعداد، وآلية التفاهم على اختيار الوزراء. وهي مساع ألمح إليها السيد حسن نصرالله في خطابه مساء الأربعاء عندما تحدث عن جهود جماعية بدأت منذ أيام لتذليل العقبات أمام تشكيل الحكومة.
ولكن الأكيد أنه بحال عدم نجاح هذه المبادرة، فإن الوضع سيزداد سوءاً والضغوط الخارجية ستتزايد. وخصوصاً أن لبنان كله سيكون معلقاً في انتظار تسويات إقليمية على خط العلاقة بين الولايات المتحدة وطهران.