إن أيّ مراقب للواقع السياسي في لبنان يخرج بانطباع مفاده أن هناك من يرفع ثلاث لاءات: لا لتفعيل الحكومة المستقيلة، ولو بحدود ما يفرضه تصريف الأعمال، لا لتشكيل حكومة اختصاصيين حقيقية قادرة على مواجهة الأزمة المالية، ولا لانتخابات نيابية مبكرة تعيد إنتاج السلطة، مشيرةً إلى أنه وكأن هناك من يرفع هذه اللاءات الثلاث عن سابق تصوّر وتصميم من أجل جرّ البلاد إلى مهالك لا تُحمَد عقباها.
وفي هذا الإطار، تساءلت الأوساط، عما إذا كان يُعقل أن يحصل كل ما هو حاصل، خصوصاً بالنسبة لهذه اللاءات الثلاث عن طريق الصدفة، باعتبار أن من لا يريد تشكيل الحكومة العتيدة باستطاعته تفعيل، وبالحدّ الأدنى، الحكومة المستقيلة، من أجل محاولة مواجهة الأزمة عبر الإجراءات المطلوبة بالتواصل مع المجتمع الدولي والقيام ببعض المهام الضرورية في هذه الفترة، وكل ذلك فقط لمحاولة وضع حدّ أو التخفيف من سرعة الإنهيار الذي تشهده البلاد.
وأوضحت الأوساط، أن من يريد فعلاً وضع حد للإنهيار المتمادي، يذهب فوراً إلى تشكيل الحكومة العتيدة بشكل تكون قادرة على أن تعطي فرصة أمل للبنانيين، على أن يُشكّل تأليفها بحدّ ذاته وَمضَة أمل لهم، بحيث تُعطى فرصة سماح قصيرة المدى من أجل أن ترتاح الأسواق، علّ البلاد معها تدخل في مرحلة جديدة.
إلا أن الواقع، بحسب الأوساط، هو أن هناك رفض للتفعيل ورفض للتأليف، إذاً ما هو المبرّر بعدم الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة ليتم إعادة انتاج السلطة، طالما أن أقطاب هذه السلطة لا يمكنهم مجرّد التفاهم في ما بينهم، الأمر الذي أوصل البلاد إلى حائط مسدود، وذلك على غرار أي دولة ديمقراطية عندما تصل فيها الأمور إلى هذا الدَرك من انسداد الأفق، ويُصبح من المستحيل فتح أي كوّة صغيرة في حائط الأزمة الذي يحكم سدّ آفاق البلاد.
ولفتت الأوساط، إلى أننا وصلنا إلى مرحلة أصبح من المستحيل استنباط الحلول المطلوبة، من أجل إخراج البلاد من مأزقها من دون إعادة إنتاج السلطة، وبالتالي، هل ما يحصل اليوم ينمّ فقط عن انعدام روح المسؤولية لدى الطغمة الحاكمة بالكامل؟ أم أنه صراع سلطة ونفوذ، وهناك مخطّط ما يدبّر للبنان ويهدف إلى استخدامه كساحة تفاوض للقوى الكبرى؟ وأوضحت أن المنطق لا يمكن أن يوصلنا سوى إلى هذه الإستنتاجات التي وصلنا إليها في ظل انعدام أي مبرّر منطقي لدى أي مسؤول لانسداد الأفق بالشكل الذي تنسدّ فيه.
ورأت الأوساط، أن ما يحصل لا يمكن أن يكون محطّ صدفة أبداً، باعتبار أنه لا يمكن أن يكون البلد متروكاً من كل الإتجاهات، بحيث أن الحكومة المستقيلة قرّرت الإستقالة من كل شيء، فيما الحكومة التي كان من المفترض تشكيلها في غضون أيام على ما كان أرباب التشكيل يعدّون لحظة التكليف، لا تتشكّل، ولا أحد يعرف في ظل التراشق الذي شهدناه، أي وجهة نظر على حقّ، فرئيس الجمهورية يطلّ علينا يومياً للتصريح وإطلاق المواقف والتبريرات من جهة، فيما الرئيس المكلّف يردّ من الجهة الأخرى، في حين أنه لم يعد هناك أي فريق في لبنان يفهم على طرفي التأليف، ماهية المشكلة السياسية الكبرى التي تحول من دون التشكيل، وأين تكمن العقدة الحقيقية الكامنة وراء تمسّك كل طرف منهما بوجهة نظره، في حين أن الرئيس المكلّف يؤكد أنه من المستحيل أن يذهب باتجاه الإعتذار ولا رئيس الجمهورية بوارد التنازل، وكلّ منهما يردّد على مسامعنا يومياً أن الآخر يريد إحراجه لإخراجه.
وأشارت الأوساط، إلى أنه أمام كل هذا الإنسداد، لم نجد أحداً من بين هذه الأكثرية السياسية الحاكمة خرج ليقول بأننا وصلنا إلى أفق مسدود، ولا مجال لأي حل، سوى عبر إعادة إنتاج السلطة من جديد للقيام بتكليف رئيس حكومة، يقوم بتشكيل حكومة على قدر تطلّعات اللبنانيين، ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية تفتح الباب أمام إنقاذ لبنان.
النتيجة الوحيدة التي من الممكن أن نتوصّل إليها بعد كل ما نراه، بحسب الأوساط، هي إما أن المسؤولين وصلوا إلى مرحلة من اللامسؤولية لم يصلها أحد قبلهم في تاريخ البشرية، وسيتحمّلون بطبيعة الحال مسؤولية رعونتهم هذه التي جرّت لبنان إلى الهلاك والفوضى الشاملة أمام الله والتاريخ، وإما أن هناك مخطّط واضح المعالم مرسوم في غرف سوداء من قبل أيادي سوداء، وما يحصل في لبنان ليس محض صدفة، وإنما هناك من يريد عن سابق تصوّر وتصميم جرّ لبنان إلى الفوضى، وربما يكون ذلك من أجل جرّ واشنطن إلى مفاوضات مع طهران من خلال تفجير الساحة في لبنان، وكأنه مع خروج سوريا من دائرة الحرب، أصبح المطلوب إدخال لبنان في هذه الدائرة، باعتبار أن المطلوب والملحّ دائماً هو إيجاد ساحة قتال ما، يتمّ فيها حرق الأرض والبشر في سبيل شيء واحد أحد وهو محاولة تحقيق أضغاث أحلام طفولية أطلق عليها مجموعة من الناس إسم مشروع.
وختمت الأوساط، بأنه أياً يكن سبب ما نحن فيه اليوم، فالأمر الوحيد المؤكد هو أن الشعب يجوع والوطن يسقط، وهما الإثنان الضحية وسط كل هذا، وليس هناك من يضع الإصبَع على الجرح، ويدعو إلى المخرج الحقيقي سوى مجموعة واحدة، تعي خطورة الأزمة التي وصلنا إليها، وتدعو منفردةً، كصوت صادح في بريّة السياسة اللبنانية التي تملؤها الضِباع، لإعادة إنتاج السلطة إنقاذاً للبلاد والعباد. “ولكن على من تقرأ مزاميرك يا سمير”؟