لا حكومة في المدى المنظور، وكل الأفق مسدودة. لا المبادرات ولا حركة الديبلوماسيين ولا ضغط الشارع ولا وجع اللبنانيين ينفع مع الطبقة الحاكمة، التي يُصر كل فريق فيها ان المشكلة ليست عنده.
لم يعد اللبناني يعرف مَنْ يعرقل مَنْ لاحراجه وإخراجه. فبعد كلام الرئيس ميشال عون امس لصحيفة “الجمهورية” الذي اكد من خلاله انه لا يريد الثلث المعطل وان الرئيس سعد الحريري هو مَنْ تغير وأصبح غريب الاطوار وهو الذي يتمسك بحكومة من 18 وزيراً وانقلب على قواعد التأليف الدستورية، سارع الرئيس المكلف للرد بأن الرسالة وصلت” أي ان عون لا يريده ان يشكل حكومة، ولكن الخطر في كلام الحريري هو ان يقول “نسأل الله الرأفة باللبنانيين”.
هذا الكلام يعني ان لبنان ذاهب إلى الانهيار اذا لم تتشكل حكومة قريبا، وهذا ما أكده أيضا الرئيس نبيه بري الذي حذر من ان البلد بخطر وسيغرق كسفينة “التايتانيك”.
المُبادرات مستمرة
رغم تأزم الوضع وانسداد الأفق حكوميا، يؤكد مراقبون انه ، ازاء صعوبة العلاقة بين عون والحريري وانعدام الكيمياء بينهما فان المبادرات لن تتوقف سعيا لتجنيب البلد الانفجار الشامل، فالرئيس بري رغم اصطدامه بالمواقف غير المشجعة قد يعيد تشغيل محركاته مجددا ويُطلق مبادرة جديدة للوصول إلى صيغة حكومية مقبولة، ويلاقيه أيضا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط” المستعد للتضحية” في سبيل تسهيل تشكيل حكومة درءا للفوضى.
حزب الله “المتريث” قد يشغل محركاته أيضا، صحيح انه ليس من مصلحة الحزب تأليف حكومة قبل حصول تفاهم أميركي ـ إيراني ، كما يقول المحللون، لكن الحزب لا يمكنه القبول بأي انفجار اجتماعي في مناطقه جراء الأوضاع المعيشية الخانقة التي يعيشها كل اللبنانيين، وبالتالي عليه الدفع اكثر من السابق لتدوير الزوايا وتقريب وجهات النظر بين حليفه الرئيس ميشال عون وبين مَنْ سماه للتكليف ومتمسك به سعد الحريري.
ولا يُمكن إغفال تحرك المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الموجود حاليا في باريس الا انه لم ترشح بعد معلومات رسمية عن اللقاءات التي قام بها مع المسؤولين الفرنسيين والتي سيبحث معهم مخارج الازمة.
عقوبات أوروبية على الطريق
فرنسا “الأم الحنون” تبقى الدولة الوحيدة التي لا تزال تهتم بالملف اللبناني وبإعادة إحياء مبادرتها رغم القرف من المسؤولين اللبنانيين وعدم التزامهم بتعهداتهم امام الرئيس ايمانويل ماكرون خلال الزيارتين اللتين قام بهما الى لبنان عقب انفجار مرفأ بيروت، فباريس لا تزال تبدي استعدادا للمساعدة في إيجاد حلول للأزمة، لكن صبرها نفد، وحذرت كبار المسؤولين اللبنانيين من أن الاتحاد الأوروبي يعكف حاليا على بحث سبل لممارسة ضغوط على من يعرقلون التوصل إلى حل للأزمة التي تعصف بلبنان.
وأبلغ وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان أمس الرؤساء عون وبري والحريري بأنه يجب فوراً انهاء التعطيل المتعمد للخروج من الأزمة السياسية.
الضغوط الفرنسية والأوروبية قد تترجم بفرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين.
وقد زاد في الفترة الأخيرة الكلام عن هذا الموضوع، فعضو البرلمان الأوروبي النائب الفرنسي تيري مارياني، أعلن مؤخرا “أن الاتحاد الأوروبي يؤيّد فرض عقوبات على شخصيات فاسدة في لبنان، لأي طائفة انتموا إذا امتلك القضاء اللبناني أدلة تُثبت تورّطهم”.
واكد بعض المراقبين ان العقوبات الأوروبية ستصدر في شهر نيسان بحق السياسيين الفاسدين المتورطين بنهب أموال اللبنانيين.
كل التوقعات تشير إلى ان صيف لبنان سيكون ساخنا جدا في حال عدم التوصل إلى تشكيل حكومة، فرفع الدعم متوقع بعد شهرين والعتمة أُجلت لشهرين بعدما أقر مجلس النواب سلفة خزينة لكهرباء لبنان بقيمة 200 مليون لشهر ونصف حصرا، والانفجار الاجتماعي متوقع أيضا مع غلاء المعيشة وعدم استقرار سعر صرف الدولار، وعودة التحركات في الشارع متوقعة بزخم أكبر، والأخطر هو الخوف من الانفجار الأمني الذي يحذر منه كثيرون، فهل من يسمع؟