يبدو واضحا أن هذه الصيغة الحكومية المستجدة تمت مناقشتها باسهاب في اللقاءات المكوكية السياسية ـ الدبلوماسية التي عقدت خلال الاسبوع الفائت في قصر بعبدا وعين التينة وبيت الوسط، وهي أوحت بأن ما يطرحه الرئيس بري يلقى تجاوبا من قبل الدول المعنية بلبنان، وكذلك من الرئيس الحريري، ويتلاقى في الوقت نفسه مع مبادرة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الخطاب ما قبل الأخير حيث شدد على “ضرورة كسر الرقم 18 للحكومة وعدم إعطاء الثلث المعطل لأي تيار سياسي”، وهو عاد في الخطاب الأخير وأعلن موافقته في حال تفاهم رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على حكومة الاختصاصيين، وإلا فالاتجاه يجب أن يكون الى حكومة سياسية أو تكنوسياسية.
في غضون ذلك، فإن مبادرة بري التي يبدو أنها مدعومة محليا من أكثرية الأطراف، ومغطاة فرنسيا، ومقبولة أميركيا خصوصا أن السفيرة دوروثي شيا شددت من على منبر بعبدا على ضرورة الوصول الى تسوية ووقف كل الشروط، وغير مرفوضة سعوديا، تنتظر جوابا واضحا من رئيس الجمهورية ميشال عون لم تتضح معالمه بعد، وهذا من شأنه إما أن يعيد وصل ما إنقطع بين بعبدا وبيت الوسط ويعطي مزيدا من الايجابية على صعيد التأليف، أو أن يرفع مزيدا من السواتر السياسية ويؤدي الى قطع دائم للطريق بينهما.
واللافت، أن عون ما يزال يتحصن بالصمت، بينما جبران باسيل عبر عن رفضه من خلال المجلس السياسي للتيار الوطني الحر الذي إستبق مبادرة بري ليؤكد بأنه “يرفض إعطاء الحريري النصف زائدا واحدا لأنه سيستخدمه في تعطيل الاصلاح والتدقيق الجنائي ومحاربة الفساد”، فهل يؤثر باسيل على عون فيرفض المبادرة وتحترق الطبخة؟ أم تنجح الاتصالات المكثفة محليا والمترافقة مع زيارة اللواء عباس إبراهيم الى فرنسا، وإجتماع الاتحاد الأوروبي بمشاركة من الرئيس الأميركي جو بايدن والذي على جدول أعماله الأزمة اللبنانية في الضغط على كل المعنيين من أجل تشكيل حكومة تبدأ بمسيرة الانقاذ؟.
تشير مصادر مواكبة الى أن باسيل ما يزال رافضا لعودة الحريري الى رئاسة الحكومة من دون تواصل الرئيس المكلف معه ووقوفه على خاطره، أو حصوله على ثلث معطل يمكنّه من التحكم برقبة الحريري وبمصير حكومته، خصوصا أن الظروف الدولية المترافقة مع مبادرة الرئيس بري توحي بأنه في حال تشكيل حكومة سريعا فإن عناصر الدعم قد توفر لها بما يساعدها على التخفيف من الأزمات عن كاهل المواطنين، وبالتالي فإن باسيل يعتبر أن أي نجاح أو تقدم للحريري هو بمثابة هزيمة له، كما يعتبر أن الهزيمة الأكبر هي في عدم حصوله على الثلث المعطل، ومشاركته بهذا الثلث مع حزب الله الذي يبدو أن عيونه تزداد إحمرارا تجاه باسيل نتيجة بعض المواقف الاستفزازية التي يتخذها ما أدى الى تباين بين الحزب وحركة أمل بُذلت جهودا كبيرة لمنع تفاقمه.
في الوقت الذي تشتد فيه حلقات الأزمات على خناق المواطنين، ومع إتجاه البلاد الى قعر القعر من الانهيار الشامل وما قد يرافق ذلك من فوضى وتظاهرات وتوترات أمنية قد لا تستثني أحدا من رأس الهرم الى القاعدة، تشكل مبادرة الرئيس بري بارقة أمل جديدة وربما وحيدة قبل الوصول الى ما لا يحمد عقباه!..