كتب البروفسور جاسم عجاقة في الديار:
لا يُمكن الخروج من الأزمة من دون الاستقرار في الأسعار الذي يُعتبر أساس الأمن الغذائي. هذا الاستقرار بالأسعار مع الهيكلية الاقتصادية الحالية، يفرض حكمًا ثبات نقدي أي ثبات الليرة اللبنانية مُقابل الدولار الأميركي. هذا الأخير هو عنصر أساسي في الإستهلاك – أي الدولار الأميركي – (85% من الإستهلاك الغذائي مُستورد) مما يجعل من وجوده عاملاً أساسياً في هذا الثبات.
الإقتراحات المُتداولة اليوم هي إقتراحات تذهب في إتجـــاهــين مُعاكسين. فهناك طرح لإنشاء مجلس نقد (currency board) وهدفه تثبيت سعر صرف الليرة بشكل مُتطرّف أكثر مما كان عليه في فترة الـ 1997-2019، والطرح الثاني ينصّ على تحرير سعر صرف الليرة مع إعتماد التعويم المُوجّه.
في الواقع، ومن جهة نظرنا الإقتصادية البحتة، فإن الطرحين غير مؤاتيين للمرحلة المُقبلة؛ إذ على الرغم من الثقة التي قد يبعثها مجلس النقد من خلال تثبيت سعر الصرف وهو ما يجذب الإستثمارات عادة إذ توافرت الأجواء السياسية والأمنية المناسبة، إلا أن مخاطر هذا المجّلس أكبر بكثير من فوائده. فهذا المجلس بحاجة إلى ثبات سياسي غير مُتوافر، كما أنه وفي ظل خطّة حكومية لتحفيز الاقتصاد هناك إستحالة للسياسة النقدية أن تواكب السياسة المالية نظرًا إلى عدم قدرتها على مُخالفة القواعد ونظرًا إلى تعلّقها بالسياسة النقدية الأميركية التي وفي حال إرتفعت الفوائد في الولايات المُتحدة الأميركية فإن المجلس مُرغم على رفع الفائدة على الإحتياطات. ومن جهة أخرى هناك مُشكلة على صعيد القطاع المصرفي الذي يُعاني من مُشكلة سيولة حادة مما يعني إستحالة إقراضه الأموال من قبل المركزي!
أما من جهة التعويم المُوجّه، فهناك أيضاً مُشكلة كبيرة نظــرًا إلى أنه وعلى الرغم من ضرورته، إلا أن الاقتصــاد اللبــناني شبه مُتوقّف! الماكينة الإنتاجية وبالتحديد القطــاعين الأولي والثانوي شبه غائبين مع صناعة لا يُمكنها مواكبة السوق الداخلي وزراعة شبه بدائية.
من هذا المُنطلق، فإن أي تحرير لسعر الصرف سيؤدّي إلى كارثة إجتماعية خصوصًا إذا إستمرت المُقاطــعة مع المُجــتمع الدولي. عمليًا يُمكن البحث بتحرير سعر الصرف في مرحلة ما بعد ضخ إستثمارات في الإقتصاد اللبناني على أن تطال هذه الإستثمارات بالدرجة الأولى القطاعين الصناعي والزراعي.