بلغ الملف الحكومي نقطة الاستعصاء على اي مسعى او محاولة للتقريب بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، والتطورات التي تسارعت في الايام الاخيرة، واحتدمت فيها حرب المنابر والمراسلات بين بعبدا وبيت الوسط، وسّعت الهوة بين الشريكين في عملية التأليف، الى حدّ باتت فرضية تفاهمهما على حكومة في ظلّ الانشقاق السائد بينهما شبه مستحيلة، ما لم تبرز إرادة ما، من مكان ما، أقوى من هذا الانشقاق، وتفرض تضييقه وإعادة ضبط مسار البلد في على سكة الإنفراج.
وعلى الرغم من تمترس الرئيسين عون والحريري كل على ضفّته المواجهة للآخر، وكشف كلّ منهما اوراقه بالكامل، بحيث بات معها كل منهما اسير موقفه وشروطه، فإنّ الوقائع المرتبطة بالملف الحكومي، التي تسارعت في الساعات الثماني والاربعين الماضية فرضته بنداً اول على أجندة المواكبة الدولية، جرى التعبير عنها في الحراك الديبلوماسي العربي والغربي، الذي حضر بزخم غير مسبوق في المقرات الرسمية والسياسية المعنية بملف تأليف الحكومة، والقاسم المشترك بينها التحذير من الاسوأ، ومحاولة الدفع في اتجاه وضع تأليف هذه الحكومة على نار حامية، وكسر حلقات التعطيل التي منعت ولادة الحكومة الجديدة منذ استقالة حكومة حسان دياب قبل ثمانية اشهر.
ولعلّ ما انطوت عليه الرسالة المباشرة والبالغة الدلالة التي وجّهتها السفيرة الاميركية دوروثي شيا من على منبر القصر الجمهوري، إضافة الى ما اكّدت عليه، سواء في لقائها مع رئيس الجمهورية كما في لقائها مع الرئيس المكلّف، يُضاف اليها ما اكّدت عليه السفيرة الفرنسية في بعبدا وبيت والوسط، وصولاً الى لقائها الذي تمّ بناءً على طلبها، ووُصف بالصريح والمريح جداً مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، تؤكّد انّ تأليف الحكومة بات يحمل لدى المراجع الدولية صفة الاستعجال اكثر من اي وقت مضى، مع التأكيد على الفرقاء المعنيين بتأليف الحكومة، نزع كل فتائل التعطيل ووقف التراشق بالشروط المعطّلة للحكومة.
وبحسب معلومات موثوقة لـ”الجمهورية”، فإنّ الكلام الديبلوماسي الذي أُبلغ الى المراجع المعنية بالملف الحكومي، اكّد بالدرجة الاولى على الضرورة القصوى التي باتت تحتم على القادة في لبنان الإحتكام الى المستوى الخطير الذي بلغته الأزمة في لبنان على كل المستويات، والتي باتت تنذر بمخاطر هائلة على هذا البلد، ما لم يُصر سريعاً الى ملء الفراغ الحكومي بحكومة مكتملة الصلاحيات، تشرع فوراً في اتخاذ الخطوات العلاجية لاقتصاد يشهد انهياراً، وتشكّل عامل اطمئنان للشعب اللبناني الذي دخل في معاناة فظيعة وتهدّده بالإفقار الكلي، على ما تؤكّد الدراسات والإحصاءات التي خلصت اليها مؤسسات لبنانية ودولية.
وتشير المعلومات، الى أنّ العنصر الأساس الذي ركّز عليه الحراك الديبلوماسي، هو التأكيد للمعنيين بملف التأليف، بأنّهم، مع التراجع الإنحداري للوضع في لبنان، اضافة الى الضيق الكبير الذي اصاب مختلف شرائح الشعب اللبناني، باتوا امام لحظة الخيار بين الاستمرار في منحى تعطيل الحكومة مع ما يستتبعه من انهيارات، وبين سلوك منحى تسهيل ولادة حكومة مهمّة متوازنة وفق ما نصّت عليه المبادرة الفرنسية، التي اكّدت الحركة الديبلوماسية العربية والغربية انّها تحظى برعاية دولية واسعة.