ولكن يبدو أنّ الحريري «يلعب على أكثر من حبل». فكلامه أمام مرجعيات سياسية محلية ودولية، ينقضه بنفسه أمام مسؤولين سياسيين آخرين. فحتى مساء أمس، كان الحريري لا يزال يُصعّد من مواقفه أمام زوّاره، مُشدّداً على تمسّكه بحكومة من 18 وزيراً، وبرفضه الثلث المُعطّل أو الاستجابة لأيّ من مطالب فريق رئاسة الجمهورية، ومن بينها تسمية وزير الداخلية.
التعقيدات الحكومية الداخلية ليست يتيمة، فمعطوفٌ عليها «اقتناعٌ» من الدبلوماسيين المؤثّرين بأنّ لا تغييرات في المشهد الحكومي في المدى المنظور. السعي الأوروبي، وتحديداً الفرنسي، والضغوط الممارسة على القوى السياسية لإنضاج التسوية، تصطدم بعدم الجهوزية الأميركية للبتّ به بعد. الملفّ اللبناني ليس أولوية على طاولة البيت الأبيض، الذي لم يُعيّن مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، خلفاً لديفيد شينكر. وتُضيف المصادر بأنّ التصريحات، ولا سيّما للسفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، حول ضرورة تخلّي القوى السياسية عن شروطها والاتفاق على الحكومة، «لا تعدو كونها أكثر من مواقف عامة، لأنّ شيا لم تتسلّم بعد تعليمات إدارتها بما خصّ لبنان».
في المحصّلة، لم يظهر بعد الضوء في آخر النفق. إلا أنّ الأوضاع على المستويات كافة لا تحتمل الانتظار. يوجد حكومة تصريف أعمال، لكنّها ترفض أن تتحمّل مسؤولياتها حتى بما يُشرّعه لها القانون. يتذرّع رئيس الحكومة المُستقيلة حسّان دياب بأنّه لن يتخذ أي قرار لا يكون مُغطّى من مجلس النواب. فالرجل الذي يعتبر نفسه «خُدع» من قوى 8 آذار ورئاسة الجمهورية، ويُصرّح بشكل مُتكرّر بأنّ القوى التي دعمت تأليف حكومته كانت أوّل من تخلّى عنها، لم يعد «يثق» بالفريق الذي سمّاه، ويُطالب بـ«ضمانات» تحميه قبل الإقدام على أي خيار. كما أنّ دياب، الآتي من خارج نادي رؤساء الحكومات التقليديين، قرّر في آخر عهده أن يتمسك بحماية «البيت السنّي» له، دينياً (دار الفتوى) وسياسياً (بيت الوسط). يُحاذر اتخاذ أي قرار قد يُبعده عن «نادي رؤساء الحكومات السابقين». كما أنّه لا يُريد أن يُغضب الحريري. لذلك، يُدير دياب «الأذن الطرشاء» لوزراء يُطالبون بتفعيل عمل الحكومة المستقيلة، وقد دار نقاشٌ بينهم على إحدى مجموعات تطبيق «واتساب». وعلى الرغم من نفي نائبة رئيس الحكومة، وزيرة الدفاع زينة عكر، خبر عقد اجتماع إلكتروني لتفعيل حكومة تصريف الأعمال، أشارت مصادر بارزة إلى أنّ الأمر تمّ على شكل محادثات على اجتماع، وأنّ دياب يُجدّد رفضه تفعيل الحكومة، لتعرّضه «للضغط من بري والحريري»، وثانياً لأنه «لا يريد الاصطدام بطائفته التي رفضت على لسان دار الفتوى ونادي رؤساء الحكومات تفعيل الحكومة».
وأشارت المصادر إلى أن «الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر هم من يدفعون إلى ذلك»، علماً بأنهم ينفون الخبر، مؤكدين أنّ «التواصل دائم للتشاور في عدد من الملفات المهمة». وتُضيف المصادر إنّ دياب أرسل موفدين إلى عين التينة التي ردّت بأنّ ممارسة الحكومة لواجباتها ضمن نطاق تصريف الأعمال ليست بحاجة إلى جلسة نيابية لتوضيح ذلك، وبإمكان مجلس الوزراء مناقشة مشروع الموازنة. فاستعان دياب برئيس مجلس القضاء الأعلى السابق، القاضي غالب غانم، فكان جوابه أيضاً أنّ الدستور واضح ولا حاجة إلى جلسة تشريعية لتفسيره”.