هو التناقض يسيطر على عهد الرئيس ميشال عون، فيما العشوائية تفرض نفسها على كل التصرفات السياسية، والارتجال يرخي بثقله على كل القرارات الادارية، في الوقت الذي يرزح فيه “شعب لبنان العظيم” تحت وطأة الأزمات والتداعيات الكارثية الناتجة عن هذا السلوك غير المسبوق.
لا يتوانى الرئيس عون عن التأكيد في كل مناسبة بأنه يريد تشكيل حكومة اليوم قبل الغد لأن ذلك “يصب في مصلحة العهد”، بينما يحتجز تشكيلة الرئيس المكلف سعد الحريري في أدراج مكتبه منذ أكثر من مئة يوم، فلا هو رفضها ولا ناقشه فيها ولا حاول إيجاد قواسم مشتركة معه لتسهيل ولادتها.
يدعو عون الحريري عبر وسائل الاعلام لقصر بعبدا لمناقشة الصيغ المطروحة لتشكيل الحكومة، فيفاجئ الرئيس المكلف بأن شيئا لم يتغير وأن المطالب على حالها وأن الدعوة هي من أجل إحراجه وتخييره بين تلبية رغبات الفريق السياسي لرئيس الجمهورية وإما الاعتذار.
يؤكد عون أنه يحترم إتفاق الطائف ويعمل وفقا لمقتضيات الدستور، ثم يطرح نفسه كرئيس مكلف لتشكيل الحكومة، فيرسل التشكيلة الى الحريري ويطلب منه تعبئة الفراغات ويفرض عليه صيغة برتقالية للحكومة، بما يسيء الى الحريري ويصادر صلاحياته ويضرب الدستور والطائف بعرض الحائط.
يصدر عون مرسوم تكليف الحريري بعد إستشارات نيابية ملزمة أفضت الى تسميته بـ 65 صوتا، ثم يخاطبه رسميا بحضرة رئيس وزراء لبنان السابق.
يشدد عون على أنه لا يريد الثلث المعطل لنفسه ولا لتياره، ثم يرسل ورقة الى الحريري تتضمن الثلث المعطل لفريقه، ثم يرفض التوقيع على أي صيغة حكومية لا تتضمن هذا الثلث الذي يروج له باسيل تارة بالميثاقية وتارة أخرى بوحدة المعايير وطورا بحقوق المسيحيين..
ينشر رئيس الجمهورية الغسيل السياسي أمام السفراء العرب والأجانب ويشكو الحريري، بينما لا يحتاج تشكيل الحكومة سوى الى إجتماع ثنائي بينهما يتم التوافق على تقديم المصلحة الوطنية العليا على كل ما عداها من مكاسب شخصية فتولد الحكومة التي يتطلع إليها اللبنانيون.
يتحدث رئيس الجمهورية عن الاصلاحات والاستمرار بالنهج التغييري والعمل من أجل تحقيق مصلحة اللبنانيين، فيما التيار الكهربائي يقتصر على 5 ساعات في الـ24، ووزير الطاقة يبشر من منبر بعبدا بالعتمة الشاملة، فيما سعر ربطة الخبز بلغ ثلاثة آلاف ليرة وتضم قليلا من الأرغفة، وكرتونة البيض لامست الأربعين ألفا، واللبنانيون يتقاتلون في المتاجر على حليب وزيت وسكر وأرز مدعوم، ناهيك عن جنون الدولار ووصول الحد الأدني للأجور في هذا العهد الى أقل من 60 دولارا وعن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والانسانية والصحية.
في غضون ذلك، تبدو العشوائية سيدة الموقف، ما بين حلم النظام الرئاسي والواقع البرلماني والدستوري، وبين المهام الوطنية الأساسية للمجلس الأعلى للدفاع وبين دعوته من قبل رئيس الجمهورية لاتخاذ قرارات مدنية لا علاقة له بها، وبين تعطيل تشكيل الحكومة والسعي الى تفعيل حكومة تصريف الأعمال ومخالفة الدستور والمطالبة بفتاوى برلمانية للتفعيل، وبين مصادرة دور الحكومة باستدعاءات هي أشبه بمذكرات جلب الى قصر بعبدا الذي يقول مطلعون أنه بات تحت إمرة المستشارين الذين تصدر التعليمات لهم من ميرنا الشالوحي.
هذا الواقع يؤدي الى تعاطي مؤسسات الدولة ووزاراتها مع قضايا اللبنانيين بكثير من الارتجال في الأمن وفي التربية وفي الصحة وفي الطاقة وفي الاقتصاد، حيث تفتقت مواهب الوزير راوول نعمة ووجد بأن خير جواب له على وصول سعر ربطة الخبز الى ثلاثة آلاف ليرة هو “نو كومنت”، فيما هو ووزارته وفرق الرقابة لديه يقفون متفرجين على المافيات التي تحتكر البضائع وتهربها وعلى التجاوزات، ليكونوا جميعهم شهود زور على تجويع اللبنانيين.
تقول الروايات إن تناول أنواع متناقضة وعشوائية وغير متناسقة من الطعام تتسبب بمشاكل هضمية تصل الى التسمم، ومن بين هذه الأنواع السمك واللبن وتمر الهندي، وكذلك فإن التناقض في المواقف السياسية والعشوائية في التعاطي مع أزمات اللبنانيين وعدم الاكتراث لمآسيهم من شأنه أن يسمم الوطن بكامله!