فعلها سعد الحريري أخيراً. طال انتظار خطوته هذه. وفي اللحظة المناسبة فعلها. سار خلف عون إلى النهاية. وهي نهاية كتبها أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، الأسبوع الفائت، بانقلابه على كل ثوابت المبادرة الفرنسية.
نصرالله ومنبر عون
وردّ الحريري على الانقلاب بتصعيد لهجته، وكشف كواليس تصرفات عون في ملفات أساسية ودستورية، كملف تشكيل الحكومة. ورئيس تيار المستقبل يعلم أن رئيس الجمهورية لا يريده رئيساً للحكومة، لكنه فرض نفسه ولن يتراجع. وكان لا بد للانفجار أن يقع مهما طال التخدير.
نصر الله أشعل الفتيل، فانفجر الحريري في قصر بعبدا من على منبر عون، متهماً إياه بأنه يخرق الدستور. وهذه صورة ثابتة لعون الراغب دوماً بالانقلاب على الطائف.
ووصف الحريري الموقف بدقته. وأكثر ما أغضبه أنه تلقى لائحة من رئيس الجمهورية تتضمن توزيعه لحقائب حكومة يختار عون وزراءها، ليترأسها الحريري إسمياً. وإلى جانب كل حقيبة يريدها عون وضع كلمة: الرئيس. أي أنها عائدة إلى رئيس الجمهورية.
وأُرفقت اللائحة برسالة يأمل فيها عون من الحريري أن يلتزم بها ويتفق مع القوى السياسية على وضع الأسماء. وهذا ما دفع الحريري إلى التصعيد. فقال إن عون يفعل هذا كله كي يدفعه إلى الاعتذار، لكنه لن يعتذر. وفي حال ازدادت المشكلة تعقيداً، وأراد أن يعتذر، سيقدم استقالته إلى المجلس النيابي. وهو بموقفه هذا يرفع سقف التفاوض، قائلاً إنه لا يزال يمتلك أوراق كثيرة.
دور باسيل
أما الخطوة التي أقدم عليها عون، فقد دفعه إليها باسيل، حسب معلومات. وهو حاول الإقدام عليها سابقاً، لكن عون رفض ذلك واعتبرها غير منطقية. لكنه استجاب أخيراً لباسيل، وأرسل اللائحة إلى بيت الوسط.
وأفصح الحريري عن التشكيلة الوزارية التي أرسلها له رئيس الجمهورية، بتوزيعاتها الطائفية والمذهبية وتقسيمات حقائبها، طالباً منه تعبئة الفراغ. وقبل كلمة نصر الله الخميس الفائت -وصفها الحريري بالانقلابية- عُقد لقاء بين جبران باسيل ووفيق صفا، فنسقا المواقف. وهذا ما أظهرته سريعاً تغريدة باسيل الفرحة والمرحبة بكلام نصر الله وموقفه.
موقف بري وأمل
ولا شك في أن باسيل استغل موقف نصر الله للنيل من نبيه برّي. ورئيس المجلس النيابي يعرف جيداً ما يفعله عون وصهره.
وقبل ساعات من الموعد المحدد للحريري في بعبدا، حصل تواصل وتنسيق بين برّي والحريري. وجاء بيان الدعم للحريري من المكتب السياسي لحركة أمل:
تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين، وفق مندرجات المبادرة الفرنسية. وتضمن موقف الحركة رداً على نصرلله. وما دام حزب الله ينسق مع باسيل، فلا بأس في أن تدعم “أمل” علناً الحريري وتنسّق معه.
الحريريان بين لحود وعون
ولا حاجة للدخول في تفاصيل اللقاء بين الحريري وعون. فقد كشف الحريري مضمونه: عون يريد “تطفيش” الرئيس المكلف. وأرسل له اللائحة، فرفض الحريري التزاماً بالدستور.
ستكون المعركة محتدمة. الاتصالات التي حصلت بين ليل الأحد وقبل ظهر الإثنين، لم تنجح في تهدئة الأجواء وكسب الوقت وتأجيل الانفجار، بالإيحاء بأن التشاور مستمر وهناك لقاء جديد. الوضع في البلد لم يعد يحتمل. والمشهد قاتم إلى درجة بعيدة. والمجتمع الدولي غير قادر على فعل أي شيء.
يريد باسيل من حزب الله ثمن تغطيته إياه وتغطية مواقفه. الثمن هو السلطة من دون سواها. وهذا ما يرفضه الآخرون، ويعتبرون أن باسيل حصل على دعم نصرالله، الذي أعاد طرح الحكومة التكنوسياسية، وهدفها إعادة تعويم باسيل وإدخاله في المعادلة مع الحريري. أي رئيس الحكومة مقابل وزير. فيما يضع الحريري المعادلة في سياقها الصحيح: رئيس مقابل رئيس.
يذكّر موقف الحريري بموقف سابق حصل بين والده والرئيس إميل لحود. كان ذلك في العام 2004. بعد تمديد عهده الرئاسي، طلب لحود تشكيل حكومة يفرضها هو بنفسه، فرفضها الرئيس رفيق الحريري، وأعدّ تشكيلة لا يمكن للحود أن يقبلها، ثم اعتذر.
لكن حالياً أصبح الوضع في لبنان معقداً إلى درجة بالغة السواد. قد تحصل انفجارات متوالية، أو انفجار كبير يهدف إلى تغيير المشهد. فما جرى في الأيام الماضية أمر بالغ التعقيد والخطورة. هناك من يعتبر أن الآتي يحمل المزيد من السواد العظيم.
المصدر: منير الربيع – المدن