تماما كما كانت الأنظار مشدودة يوم الخميس الماضي الى قصر بعبدا لاستنباط مفاعيل الجولة الجديدة للرئيس المكلف سعد الحريري من خلال اللقاء الذي جمعه ورئيس الجمهورية ميشال عون، وكما شخصت عيون الإعلاميين نحو “الظرف” الذي حمله الحريري وتضمن “التشكيلة” الحكومية، هكذا الحال بالنسبة إلى يوم الإثنين المقبل موعد الزيارة الجديدة لرئيس الجمهورية. هذه المرة ايضا ستكون الأعصاب متشنجة. فإما أن يتصاعد الدخان الأبيض من القصر الجمهوري ويكون الثلثاء يوما آخر على الللبنانيين أو…ما بعد الإثنين 22 آذار ليس كما قبله.
حتى اللحظة لا يمكن الكلام عن “لون الدخان” المفترض تصاعده. لكن ثمة إشارات يمكن أن يُبنى من خلالها على الشيء مقتضاه من خلال ما جرى في لقاء عون – الحريري على مدى 50 دقيقة. ماذا في تفاصيل الرواية؟
مصادر قصر بعبدا روت بالوقائع . “إزاء الجمود القاتل والمراوحة في موضوع تشكيل الحكومة وإزاء وجع الناس وإنتظاراتهم، بادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى إطلاق موقف فُهِم منه أنه عالي النبرة. لكن حقيقة الأمر أنه عالي السقف على مستوى إنتظارات الناس ووجعهم. فتوجه إلى رئيس الحكومة المكلف قائلا، إن جوهر التكليف هو ان تُشكّل لا أن تضع التكليف في جيبك” وتضيف:” رئيس الجمهورية شريك في عملية التشكيل، هو رئيس كل السلطات ومنتخب لمدة 6 سنوات أقسم على الدستور، ولا بد من أن يتشارك والرئيس المكلف في تشكيل حكومة تلبّي إنتظارات الناس وتحقق الإصلاحات والإنقاذ المطلوب. “وإذا ما كنت تشعر بأن لسبب أو آخر انت عاجز أو غير قادر على تشكيل حكومة الواجب والضمير ووجع الناس يملي عليك أن تترك المكان لقادر سواك” والكلام للرئيس عون.
وتؤكد ان:” بيان الرئيس المكلف الذي أدلى به غداة خروجه من اللقاء لم يكن على مستوى الإنتظارات، وليس موفقاً لا سيما في النقطة التي تتعلق بالمقارنة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لأنها تضرب مفهوم تداول السلطة الذي يمثله رئيس الحكومة وثبات السلطة دستوريا الذي يمثله رئيس الجمهورية”.
وتضيف الرواية بحسب المصادر:” ثمة إيجابية لا بد من تسجيلها. فللمرة الأولى استغرقت الجلسة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف حوالى 50 دقيقة، وكان الحريري هادئا أما رئيس الجمهورية فكان مستوعبا إلى أقصى الدرجات. فبادره الرئيس بالقول: أنت ملم بأصول تشكيل الحكومات وإدارة السلطة في لبنان، وهذه مسألة لها أصولها وقواعدها. نحن في بلد يقوم على الميثاقية وهي شراكة بين الطوائف، وأنا في هذه الشراكة أمثل رئيس الدولة ورمز السيادة والمؤتمن على الدستور على المستوى الوطني، ، كما أمثل الجانب المسيحي في الميثاقية. فيا دولة الرئيس تفضل وشاور عقلك ومن تريد، وعد بصيغة حكومية تعتمد على الآتي: تحديد الحقائب الوزارية بشكل واضح وكيفية توزيعها على المذاهب والجهة التي تسمي الوزراء بحسب الحقائب لأنها تعكس الهوية السياسية داخل المذهب، والتوزيع على المذاهب يوضح مدى التوازن بين الطوائف في توزيع الحقائب.
هنا سأل الرئيس عون الحريري:” هل الصيغة التي تحملها مكتملة؟ اجابه بأنه قدم له صيغة . كرر عون السؤال:”هل هي مكتملة؟ هل تتضمن أسماء وزراء حزب الله؟ أجاب الحريري بأنه طرح أسماء. فسأله عون هل وافق عليها حزب الله؟ فكان رد الحريري بالنفي. عندها بادره الرئيس عون قائلا:” شاور نفسك وعد يوم الإثنين وفق القواعد التي تحدثت عنها، بعدها تأتي الأسماء فهي مسألة إسقاط ثانوية، لأنه إذا لا القوات ولا التيار الوطني الحر ولا الكتائب معك، فمن يغطيك مسيحيا بحسب الميثاق؟ طبعا رئيس الجمهورية سيتولى عملية التغطية. لكن إذا كنت تتعامل مع الرئيس على قاعدة أنا أترك لك حصة وأعود وأتولى منفردا تسمية وزراء مسيحيين بينما أترك للشيعة والدروز حق التسمية فأنت تكسر الميثاقية والدستور والتوازن.
بهذا الوضوح كان الكلام الذي بادر به رئيس الجمهورية الرئيس المكلف وعليه تضيف المصادر” ننتظر بعقلانية وهدوء أن يأتي الحريري إلى القصر يوم الإثنين المقبل بصيغة جديدة. وإذا لم يحصل ذلك –لا سمح الله- يكون قد قرر الإمعان في ضرب الدستور وعدم تأليف حكومة. ونتمنى أن يأتي الحريري حاملا صيغة جديدة . وغدا لناظره قريب.
أما إذا لسبب أو لآخر لم يقدم الحريري على تحريك الجمود الذي وضع نفسه والبلاد، معنى ذلك أن هناك قرارا لديه بعدم التأليف . إزاء هذا الأمر كلنا سنستخلص العِبَر. فرئيس الجمهورية وإن كان مقيدا دستوريا ومكبلا بصلاحيات محدودة إلا أن الضرورات تبيح المحظورات وعليه سيصارح اللبنانيين بواقع الأمور وعندها وأكرر لا سمح الله ، نكون انتقلنا من أزمة تشكيل حكومة إلى أزمة نظام.
المصدر: المركزية