حتى اللقاء الثامن عشر المقرر مبدئيا يوم الإثنين المقبل سيبقى النقاش قائما حول شكل وتوقيت ومضمون خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ومدى تأثيره على تطورات الازمة الحكومية. فالأسئلة المطروحة تتناول ما إذا كان ما جاء من رسائل حكومية مجرد “نصيحة” للرئيس المكلف بتشكبل الحكومة سعد الحريري او ان “توجها جديدا” قد اعتمد لنسف المساعي الدولية والمحلية المبذولة والقواعد المبدئية التي وضعت من اجل توليد “حكومة المهمة” من الإختصاصيين والمستقلين الحياديين غير الحزبيين ويطوي صفحة “المبادرة الفرنسية” ومعها ما جمعته باريس بـ “الفتيلة والسراج” على مدى الأشهر السبعة من موافقات دولية وغربية وعربية وخليجية تحديدا.
تقول اوساط سياسية مراقبة لـ”المركزية”: إن كان الجواب على الشق الحكومي من مواقف نصرالله ينتظر هذه الفترة المحددة ليتبين حجمه ومراميه، فلان هناك مواعيد باتت مهددة في توقيتها ومضمونها ومنها الموعد المرتقب يوم الاثنين المقبل. ذلك ان الرسائل الأمنية والإقتصادية والمالية لها معان ومفاهيم أخرى، قادت اليها مقاربته لبعض الملفات الاساسية والهامة من باب الواقعية السياسية دون ان يظهر رأيا واضحا وحاسما لمجموعة من المقترحات التي تقدم بها في وقت سابق ولم تر النور بالنظر الى المعوقات الدولية والإقليمية التي حالت دون بعض الخطوات لأنها مجرد توجهات تترجم ما يريده محور الممانعة ولم يتمكن من ترجمتها احد من قواه.
على المستوى الحكومي، والى ان تاتي الخطوات التي تترجم ما قصده نصرالله، فان مصادر طرفي الصراع في بعبدا وبيت الوسط اختلفت حول تفسيرها لمواقف نصرالله. في الوقت الذي شعر فيه كثر حتى من بيئته السياسية ومؤيديه، بانه راح بعيدا في “توجيهاته ومطالبه” من الحكومة المطلوبة الى درجة نسفت القواعد التي بنيت عليها. فان آخرين حاولوا تجميل الموقف والتخفيف من حدته الصادمة واكدوا ان ملاحظاته هي من باب النصائح وراحوا يحصون العبارات التي قالت بانه ما زال مع حكومة الإختصاصيين ولكنه ربطها مشككا بقدرات الرئيس المكلف بامكان قيادة السفينة بحكومة من هذا النوع في ضوء تجربة حكومة “مواجهة التحديات” برئاسة حسان دياب وما لقيته من فشل متناسيا ان الطعنة التي تلقاها دياب جاءت من اهل البيت قبل الخصوم.وهو امر يوحي بان السيد نصرالله لم يقتنع بعد بان العالم سيتجاوب مع حكومة بالمواصفات التي تحدثت عنها القوى الدولية والإقليمية. وقد يكون ذلك لتوقعه بعجزها عن تغيير بعض التوجهات المطلوبة منه قبل غيره من القوى اللبنانية المحلية. فان لم يكن مستعدا للتخفيف من حجم التدخلات الحزبية في احداث المنطقة من سوريا الى اليمن فان ذلك سيكون منطقيا لا بل ستسقط الحكومة العتيدة عند اول تجربة كما توقع السيد.
والأخطر تقول المصادر رفض الحزب التوجهات التي ستقودها الحكومة العتيدة باتجاه صندوق النقد الدولي من اجل استعادة الحد الأدنى من الثقة بالدولة ومؤسساتها ليبنى عليها لاحقا ما يمكن ان يجنيه لبنان من قروض ومساعدات للنهوض والتعافي. فثمة من يعتقد ان نصرالله في قراءته لدعواته السابقة للتوجه شرقا سواء باتجاه الصين او ايران للتعاون مع بكين او لشراء النفط الإيراني بالليرة اللبنانية عاد وبرر – بشكل من الأشكال – استحالة اللجوء الى هذه الخيارات التي سقطت في اكثر من مكان في العام محدثا اللبنانيين عن تجربة اكثر من دولة عربية وغربية مع الصين واستحالة استخدام القطاع المصرفي الشرعي في تعاطيه مع طهران بالنظر الى شكل العقوبات الاميركية والاوروبية المفروضة عليها.
اما على المستوى المالي والنقدي فان نصرالله يعرف استحالة الخروج من المأزق النقدي دون “إذن عبور” و”شهادة حسن سلوك” للسلطة اللبنانية من صندوق النقد الدولي رغم الشروط القاسية التي سيفرضها والتطمينات التي قدمها الصندوق بانه لن يفرض ولم يفرض على اي دولة شروطا لا تحتمل القدرة على تنفيذها لتأتي باهدافها وفق دفتر شروط لا تتلاقي سوى في اهدافها في سلسلة التجارب التي خاضتها دول مختلفة.
وتوقفت المصادر في توجهات نصرالله، عندما قدم مقاربته للوضع الأمني وسياسة الاحتجاجات الشعبية، فتوصيفه لـ “قطاع الطرق” اعتبرت المصادر التي تقرأها بايجابية انه لم يتناول خصومه السياسيين فقط انما مست حلفاءه في الثنائي الشيعي وآخرين من بيئات مختلفة لم تقف يوما ضد المقاومة ولم تخرج عن محور الممانعة لا بل هي من صلبها وتعيش كما غيرها حجم الازمة المادية والنقدية التي بلغت سقوفا لم يتوقعه احد. وان نسي البعض هذا الجانب عند قراءة نصرالله للتحركات الشعبية فهو بدخوله في توصيف البيئة السكانية للحزب اوحى بانه لا يمكنه تجاهل ما في هذه التحركات من اسباب اقتصادية واجتماعية وان تمادى في توصيفه السلبي للتحركات فقد ساهم في التخفيف من حدتها.
لكن الاخطر عندما توجه الى قيادة الجيش في تعاطيها مع “قطاع الطرق” اذ تجاوزت حدودا معينة توحي بامكان حصول مواجهة محتملة مع الجيش والقوى العسكرية والأمنية، ان شعر بوطأة الإستمرار بقطع الطريق الدولية الى الجنوب والبقاع باعتبارها طرقا حيوية للمقاومة تثير النقزة وتحيي المخاوف الحقيقية من امكان تدخل وحدات خاصة من الحزب والمقاومة على الأرض لاعادة فتح الطرق ومنع اقفالها . وليس في الأمر جديدا سوى قطع الطرق في العاقبية والغازية وعدلون و”الجنوب الشيعي المقاوم” فكل التحركات التي حصلت منذ 17 تشرين 2019 ابقت هذه المعادلة حية ولا يمكن لأحد تجاهلها ، خصوصا ان الحزب قد شكل مجموعة من المقاتلين لهذه المهمة قيل انها حملت اسما يوحي بالمهمة لمجرد تسميتها ” قوة نصرة الجنوب”.
على هذه الخلفيات، بقيت المناقشات قائمة حول ما اراده نصرالله من خطابه وزاد من اهميتها لتزامنها مع المرحلة الفاصلة بين اللقاءين السابع عشر والثامن عشر ما بين الجمعة الماضي والإثنين المقبل وهي المتصلة بعملية تأليف الحكومة، ما يوجب مراقبة كل التطورات في الساعات الفاصلة عن مطلع الأسبوع المقبل.
المصدر: المركزية