أقل ما يمكن أن يقال أن الخطاب كان لزوم ما لا يلزم، فقد كان باستطاعة الرئيس عون أن يتواصل مع الرئيس المكلف سعد الحريري وأن يدعوه الى قصر بعبدا وأن يسرب ذلك عبر الاعلام، بدلا من هذه الاطلالة التي ساهمت في توتير أجواء الشارع أكثر فأكثر، خصوصا أنها لم تقدم حلا ولا مشروع حل، بل لجأ عون الى عبارات إنشائية تقليدية ممجوجة لا تسمن ولا تغني من معالجات، ولم يعد اللبنانيون يأخذون بها بعدما ملوا سماعها وسئموا من تقاذف المسؤوليات، حيث تحدث عون وكأنه ناشط أو ثائر سياسي أكثر مما هو رئيس للجمهورية تقع على عاتقه مسؤولية إنقاذ البلاد، وساق الاتهامات وكأنه وصل للتو الى العمل السياسي وفوجئ بالأوضاع الراهنة.
ما قاله رئيس الجمهورية في إطلالته القصيرة كان بمثابة دعوة للحريري الى الاعتذار أكثر مما هو دعوة للتأليف، خصوصا أن التأليف بحسب الرئيس عون يكون وفق المعايير الدستورية التي باتت تحتاج الى “منجم مغربي” ليفك طلاسم ما يريده جبران باسيل الذي ما تزال كل المعلومات تشير الى أنه يتمسك بالثلث المعطل أو بالوزارات الأمنية وهذا ما يرفضه الحريري الذي سيجد أمامه الخيار الثاني وهو إفساح المجال أمام من هو قادر على التأليف بما يحقق رغبة عون وباسيل في التخلص من الحريري من خلال إحراجه فإخراجه.
تشير المعلومات المتوفرة الى أن إطلالة الرئيس عون وما تضمنته كانت نتيجة عدم رد الحريري على الاتصالات التي جرت معه من تحت الطاولة سواء عبر اللواء عباس إبراهيم، أو النائب علي حسن خليل، كون الاقتراحات المقدمة لا تخدم حكومة “المهمة” التي جاءت بها المبادرة الفرنسية، ما دفع عون الى إحراج الحريري عبر وسائل الاعلام.
كما جاءت الاطلالة الرئاسية بعد ساعات من لقاء جبران باسيل مع السفير الروسي ألكسندر روداكوف على مدار ساعتين في اللقلوق بحضور مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية أمل أبو زيد، حيث وضعه في أجواء لقاء وزير الخارجية سيرغي لافروف مع الحريري في أبو ظبي، وزيارة حزب الله الى موسكو والتشديد الروسي على ضرورة تأليف حكومة، ما إستدعى إستباقا للموقف باطلالة رئاسية لاحراج الحريري ووضعه أمام خيار التأليف وفقا لمعايير باسيل أو الاعتذار.
يمكن القول إن البيان الذي صدر عن المكتب الاعلامي للرئيس الحريري قدم خدمة للرئيس عون، خصوصا أنه وبحسب متابعين أخرج خطابه من الطابع الانشائي الى الترجمة العملية بالاعلان عن تلبيته الدعوة لعقد اللقاء الـ 17، لكن في الوقت نفسه رفع الحريري من مستوى التحدي السياسي بوضع رئيس الجمهورية أمام خيارين فإما أن يتوافق معه على حكومة تبدأ بعملية الانقاذ، وإما في حال رفضه لها وعدم توقيعه لمراسيمها أن يدعو الى إنتخابات رئاسية مبكرة، وفي ذلك تمسك ضمني بالمعادلة المطروحة الاعتذار مقابل الاستقالة!.
إذا، من المفترض أن يعقد اللقاء الـ17 بين عون والحريري لكن هذه المرة سيكون مفصليا ، فإما التوافق على وضع الأزمات على سكة الحل بتشكيل حكومة، أو إستمرار الخلاف وتبادل الدعوات للاستقالة والاعتذار، وعندها سيكون الارتطام الكبير الذي سيفتح أبواب لبنان أمام أزمة حكم.