لم يعد يكفي إعطاء مبررّات لإنهيار العملة وإرتفاع سعر صرف الدولار وربط الموضوع بالأوضاع الإقتصادية السيئة وعدم إيجاد حلول لإقناع الناس أن ما يمرّون به حالياً سببه الإنهيار فقط… نعم نحن نعيش في دولة “غائبة عن الوعي”، ولكن نعيش دون أدنى شكّ في حرب من نوع آخر سلاحها الأساسي “الدولار” وصولاً الى الغرق في الفوضى.
الأسبوع الماضي مرّ لبنان “بقطوع” كبير كان أشبه بالإنهيار، وصل الدولار الى العشرة آلاف ليرة و”بكبسة” زرّ عادت الاحزاب الى محاولة السيطرة على الحراك في الشارع فأقفلت الطرقات. العارفون بكلّ ما يحدث يؤكدون أن “خلف كلّ ذلك مخطّط كبير سلاحه “العملة الخضراء”، وأداته الشارع الذي كان يعوّل المخططون عليه نظراً لما وصلت اليه الأحوال”، على الرغم من أحقّية المطالب.
ولفظاعة المشهد والذي خلّف ضحايا كما أن من كان يخطف الشارع لم يعد بإمكانه أن يختبِئ خلف ستار المطالب المعيشية رغم أحقّيتها، إتخذ القرار بفتح الطرقات لكن الواضح أن المخطّط مستمرّ، “فالدولار” يشنّ هجومه محلّقًا من ليل الجمعة الفائت حتى اليوم، ليرتفع 50 بالمئة في خمسة أيام، ويبقى الأهمّ ما الذي رفع سعره في عطلة نهاية الاسبوع التي يفترض أن ليس فيها أيّ عرض وطلب؟!.
تشرح المصادر أن “معدّل التداول بالدولار إنخفض في فترة الاقفال، في وقت لا وجود للطلب عليه كما قبل، متسائلة، ما الذي يدفعه الى هذه الأرقام الجنونيّة في أيام غير الألاعيب السياسية”؟، مؤكدة أن “من لعب اللعبة فجّر “Limit” ما ادى الى إرتفاع الصاروخي”.
تعود المصادر لتؤكّد أن سبب مشاكلنا الإقتصاديّة هي السياسة التي وُضعت بعد الحرب، حيث قامت على المديونيّة، فوصلنا الى بلد يعيش برفاهيّة ولكن دون إنتاج، وبإنفجار الوضع هناك إستغلال لأشخاص يعملون بالمضاربة على العملة الوطنيّة، لافتة الى أن “في الوضع الراهن هناك “تجارة عملة” قائمة ومغطّاة، لأن من يعملون شرعيًّا لا يتحدّثون عمّن هم غير شرعيين”، مشيرة الى أن “جزءًا من هذا الأمر هو المنصّات الإلكترونيّة التي تتحكمّ بالأسعار وسط تبذير للدولارات عبر كذبة “الدعم”.
وصلت قمّة الوقحة بعصابات المضاربين الى حدّ أن أشخاصاً باتوا يحدّدون سعر الدولار في السوق عبر منصّات الكترونية، والمنصة في الداخل تستند الى أخرى في الخارج إضافة الى عمل الصيارفة على هذه المنصات، وهؤلاء أيضًا هناك من يشغّلهم والمعلومة تأتيهم من خارج لبنان، هذا كلّه كشفته إعترافات أحد الصيارفة أثناء التحقيق معه أمام مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون. وتشير المصادر الى أن “الصرّاف الذي مركزه البقاع يتعامل مع مشغّل له في تركيّا الذي يحدّد له السعر مقابل تقاضيه مبالغ ماليّة”، مضيفة: “القاضية عون خابرت النيابة العامة في البقاع خصوصًا وأن هذه الاعترافات موثّقة بتسجيل صوتي للعملية”.
من يرى ما نعيشه اليوم يظنّ أنّها المرّة الأولى التي يمرّ لبنان بهذا الوضع، ولكن بالعودة الزمنية الى سنوات مضت وتحديداً ثمانينيّات القرن الماضي، وتحديدًا عام 1985 نرى المشهد ذاته و”التاريخ يعيد نفسه”. حيث ارتفع الدولار من 3 ليرات الى 570 ليرة على أيام حكم الرئيس الأسبق للجمهورية أمين الجميّل، وعندما إستلم العماد ميشال عون بعد قرابة 5 سنوات الحكومة الإنتقالية إرتفع الدولار من 570 الى قرابة 700 ليرة.
انتهت حرب المدافع لتبدأ الحرب الاقتصاديّة والماليّة بعد إستلام رئيس الجمهورية (الراحل) الياس الهراوي الحكم، فاستمر سعر صرف الليرة مقابل الدولار بالارتفاع أكثر، بعدها اعلن مصرف لبنان عجزه الدفاع عن العملة الوطنيّة وأفلت السوق النقدي ليشرئبّ الدولار صعودًا عام 1991 الى 928 ليرة مكمّلا ارتفاعه بشكل جنوني سنة 1992 من 1719 الى 3000 ليرة دون أي رادع أو تدخّل من المصرف المركزي خلال فترة قصيرة. وعلى وقع ما كان يحصل استبدل خلالها حاكم المصرف المركزي ميشال خوري بادمون نعيم. وفي أواخر سنة 1992 المذكور، قاد رئيس الاتّحاد العمّالي العام انطوان بشارة احتجاجات في الشارع أطاحت بحكومة عمر كرامي، وتم تعيين رفيق الحريري رئيساً للحكومة، في آب 1993 ليأتي برياض سلامة حاكما لمصرف لبنان ويبدأ سعر الدولار بالهبوط وتم تثبيته على 1515… ومن ثمّ لتتكرر تجربة الانهيار المالي الضخم والكبير غير المسبوق في عهد سلامة… فهل أعاد التاريخ نفسه مجدداً؟!.
المصدر: النشرة