“المموّل الأوروبي صار قرفان من لبنان”.. جملةٌ تكرّرت خلال اجتماعات تتعلق بمنظمات مرتبطة بالاتحاد الأوروبي في لبنان الذي ينزلق يوماً بعد يوم نحو الهاوية بشكل أكبر. فعلى صعيد المشهد السياسي، لا بوادَر إيجابيّة أبداً حتى الآن، فالحكومة مؤجّلة كما أنّ المبادرة الفرنسية تُنازع، حتى أن الاتصالات السياسية بشأن تشكيل الحكومة لم تشهد أي تقدّم أو حلحلة. وفي هذا الاطار، تقول مصادر سياسية متابعة أنّه “ما من طرف يستعد لطرح التنازلات على حساب مكانته، كما أن حكومة تصريف الأعمال ستواجه الشلل أكثر فأكثر”.
ووسط ضبابية المشهد السياسي، يواصل الدولار تحليقه عالياً، وهو الأمر الذي سيستمرّ تباعاً. ووفقاً للخبراء، فإن الدولار سيرتفع أكثر ليلامس الـ15 ألفاً خلال الأيام القليلة المقبلة، وسيتجاوز هذا الرقم أيضاً.
وإزاء هذه التعقيدات القائمة، برزت مخاوف جديّة لدى دوائر السفارات الأوروبية في لبنان من تعقد الأوضاع أكثر، حتى أن المخاوف من أحداث أمنية أصبحت بارزة بشكل أساسي. ولهذا، باتت الرسائل التي يوجّهها الممولون الأوروبيون واضحة بشأن لبنان: “لن نضع يدنا في هذا البلد على الإطلاق، ولسنا على استعداد لتقديم أي مبلغ من المال لأن التجارب مع الطبقة السياسية في لبنان ليست مشجعة أبداً. أي مبادرة مالية أو مساعدة أو هبة ستتحول إلى ملف فساد وستضيع قيمتها بسبب العمولات والسمسمرات، ولسنا على استعداد لأن نقدم شيئاً بعد الآن. الثقة معدومة بالدولة اللبنانية نهائياً”.
وفعلياً، فإن الكلام الذي يقوله الممولون الأوروبيون يعني أمراً أساسياً وبارزاً: لا حلحلة للأزمة ولا أموال ستدخل إلى لبنان أبداً في ظلّ وجود الطبقة السياسية الحاكمة الحالية التي خسرت ثقة المجتمع الدولي بكافة أركانها. ولهذا، فإنّ أي مساعدة للبنان لن تكون عبر الجهات السياسية أبداً، وفي حال تحقق الحلم المنتظر ونال لبنان مساعدات مالية، فإنها ستكون مرتبطة بشروط تضمن في البداية آلية صرفها في المكان الصحيح.
ومع هذا، تقول مراجع دبلوماسية أنّ “الحكومة التي ستتشكل ستخضع لرقابة ومتابعة مُطلقة، وستكون هناك فترة لمعاينة عملها وأدائها، وفي حال لم تتم ملاحظة أي جدية في الاصلاحات، فإن لبنان لن يحصل على أموال من الخارج”.
ولم تنسَ هذه المراجع الدبلوماسية التذكير بهبة الـ20 مليون يورو التي حصل عليها لبنان عام 2018 والمخصصة لمعالجة النفايات الصلبة والطبية ونفايات المسالخ في بيروت وجبل لبنان حصراً. وحتى الآن، فإن هذه الهبة ما زال مصيرها غير واضح، وهو الأمر الذي استدعى الكثير من التساؤلات على صعيد الاتحاد الاوروبي.
وعلى الشق المالي، فإنّ كل الخبراء يتخوفون من الاستمرار بالسياسة النقدية والمالية القائمة حالياً، خصوصاً أن الدولار سيواصل الارتفاع لأسباب عديدة أبرزها أن الحكومة التي تعاني من ضعف في إيرادتها مقابل نفقاتها، وهي تعمد إلى طباعة الليرة وضخها في السوق بشكل هائل. وفعلياً، فإن هذا الأمر يساهم في جعل العملة اللبنانية منتشرة بشكل كبير ويوفر سيولة نقدية لشراء الدولار وافراغ الأسواق منه، ما يعني ارتفاعاً في سعره أكثر، والأساس في ذلك هو فقدان الثقة بالليرة.
وما يحصل فعلياً على أرض الواقع هو أنّ المصارف تحاول زيادة رأسمالها من الدولار، إذ تبادر إلى شراء الدولار من الصرافين، ما يعني أيضاً إفراغاً للدولار من السوق. أما الأمر الأبرز فهو أنه جرى الطلب من المصارف زيادة ودائعها لدى المصارف المراسلة في الخارج، ولذلك فإنها تحتاج إلى “فريش دولار”. ولهذه الأسباب الأساسية، شهد سعر العملة الخضراء القفزة الأكبر خلال الفترة الأخيرة.
ومع هذا، يحذر الخبراء بشكل أساسي من “مافيات السوق السوداء” التي تتحكم بالدولار، كما أن هناك تساؤلات عن مصدر الكتل النقدية بالليرة التي تحصل عليها مجموعات السوق السوداء للدولار. ووسط ذلك، يطرح عدد من الخبراء مخاوف عن دور للمصارف في تمويل عمليات البيع والشراء للدولار في السوق الموازية، فالارتفاع الجنوني لسعر الدولار بشكل مستمر يدفع الناس لبيع الدولار باستمرار للاستفادة، وهو الأمر الذي يفيد تجار السوق السوداء وأيضاً المصارف التي تحتاج إلى الدولارات بشكل كبير. ولهذا، فإن هذه العمليات المشبوهة ستستمرّ ولا حدود لها حالياً.
المصدر: لبنان24