كتب مجد بو مجاهد في “النهار”:
تنعش حركة ممثلي الدول الشقيقة في لبنان جذور البلد العليل وتقوّي معنويّاته وفق ما يمكن استخلاصه ممّا ينقله المتابعون عن الأهمية التي تكتسبها حركة من هذا النوع، وكأنّها أشبه بالسهرٍ إلى جانب سرير وطنٍ مصاب بمرضٍ عضال استنزفه، وإمساكٍ بيده ومعاونته على الشفاء فيعود معافى إلى بيته العربيّ. ويستوقف النشاط الديبلوماسيّ للدول الشقيقة اهتمام المجالس السياسيّة اللبنانية، بما في ذلك حراك السفير السعودي وليد البخاري الذي زار في الأيام الأخيرة مرجعيّات روحيّة ووطنية متنوّعة المشارب. وتشير معطيات مصادر لبنانيّة لـ”النهار” إلى أنّ البخاري يبدو أنّه يرغب بلقاء شخصيات سياسية وثقافية، ومن بينها شخصيات مستقلّة من مختلف المناطق والمشارب، للاستماع إليها وتبادل وجهات النظر معها حرصاً من المملكة العربية السعودية على تثبيت صلاتها باللبنانيين. وبدا لهذه المصادر أن عودة البخاري إلى بيروت كانت بتوجيه من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بضرورة مواكبة أحوال لبنان عن كثب وعلى مستوى ديبلوماسي رفيع.
وفي وقتٍ يشكّل فيه الحراك الديبلوماسي محلّ انتباه ومتابعة من الصفوف الشعبية والإعلامية اللبنانية؛ برزت أيضاً زيارات لبنانيّة إلى دارته. وقد زاره قبل أيام خلدون الشريف حيث عُقدت جلسة استُعرضت فيها أوضاع المنطقة العربية كما الأوضاع المحليّة.
ويكشف الشريف عن أجواء زيارته لـ”النهار” في قوله إن “الموقف السعودي تجاه لبنان لم يتغيّر ولا تزال المملكة تعتبر أنها معنيّة بالحفاظ على لبنان وعلى استقراره وأمنه، ولكنّها تعتبر في الوقت عينه أنّ اليد العليا في لبنان هي لفريق لا يناصبها العداء فحسب، بل يعتدي على حدودها وأمنها القوميّ. وليس للمملكة أن تدعم حكومة تسيطر عليها قوى تناصبها العداء وتحاربها في آن”. بمعنى أكثر وضوحاً، يشير الشريف إلى أن “اليد العليا في لبنان هي لحزب الله. فلماذا تساعد السعودية دولة تدعم فريقاً يحارب أراضيها؟”.
ويضيف الشريف أن “المسألة في لبنان ليست مسألة من يشكّل الحكومة سواء كان الرئيس المكلّف سعد الحريري أو سواه، بل إنّها تكمن في القرارات الحكوميّة والاصطفاف السياسي للبنان كدولة. المملكة التي عرفناها في سبعينات وثمانينات وتسعينات القرن الماضي قد تبدّلت. القرار هناك بات مركزيّاً. والقرار هناك بات لا يرغب بالتعامل مع فئات أو أحزاب أو شخصيات؛ بل من دولة إلى دولة. وليس خافياً على أحد أنّ أكثر من 20 اتّفاقاً كان ينتظر توقيعاً بين السعودية ولبنان، ولم يحصل ذلك بعد استقالة الحكومة في تشرين الأول 2019 تحت ضغط الشارع”.
ويرى أنّه “من المعلوم في علم السياسة أن حماية الدول تكون من خلال الحضور الإقليمي، والنفوذ لا يكون يوماً داخليّاً بل خارجيّاً. ومن المعلوم أيضاً أن لبنان على صغر حجمه مؤثّرٌ في بناء رأي عام (عربيّ وشبه دوليّ) بسبب وجوده الجغرافيّ على حدود فلسطين من جهة، وعلى حدود سوريا من جهة ثانية، وبسبب قدرة أبنائه على التكيّف والتواصل في آن”. ويؤكّد أن “السعودية حريصة على التواصل مع كلّ الأطراف والفئات والمذاهب اللبنانية، وهي لا تعادي ولا تخاصم أيّ طائفة أو
مذهب. اللبنانيون يعرفون أن مصلحتهم في انتمائهم وحضورهم العربي وفي دعم الدول الشقيقة لهم والوقوف إلى جانبهم”.
وفي الانتقال من مقاربة الجانب السياسي إلى موضوع الإصلاحات، يضيء على أنه “لا شكّ أن لبنان يحتاج إلى إصلاحات تتفق عليها دول العالم. ولا يمكن أن يستقيم الوضع المالي والاقتصادي من دون الولوج إلى إصلاحات جدّية تعيد ثقة الدول المانحة بلبنان، وتسترجع قبل كلّ شيء ثقة اللبنانيين بدولتهم”.
لم يتداول اللقاء الذي جمع الشريف بالبخاري في أيّ تفصيل محليّ على صعيد فئويّ أو على صعيد الشخصيات السياسية، بل تناول ثلاثة محاور رئيسيّة شملت الملف الإقليمي أوّلاً، والوطنيّ ثانياً، والطرابلسيّ ثالثاً.
ويروي الشريف أنه “عند التطرق إلى موضوع طرابلس قلت إن هذه المدينة تاريخيّاً لم تأخذ حقّها، لا من الدولة اللبنانية ولا من الأشقاء العرب، لأسباب مرتبطة بتعاطفها مع جهات لم تكن على وفاق مع السعودية من جمال عبد الناصر وصولاً إلى عراق صدام حسين. وتالياً، فإن طرابلس الآن تعتبر المدينة الثانية في لبنان التي تحتاج – ليس إلى مساعدات – بل إلى التفكير الجديّ باستثمارات متوسطة وطويلة الأمد، وهذا ما يتطلّب دراسة جدية وعميقة وتفاهمات على مستوى الدولة اللبنانية وعلى مستوى الهيئات السياسية والمدنية في طرابلس”.
ويخلص إلى أن “على لبنان في اعتقادي بذل جهود لاستعادة وصل ما انقطع مع الدول العربية الصديقة والشقيقة وتطوير العلاقة مع السعودية ومصر ودول الخليج العربي عموماً، والحفاظ على العلاقات الإقليمية للبنان كلّها من دون الانخراط في محاور، أو مناصبة العداء لدول شقيقة وصديقة. ومن دون ذلك، لا يمكن للبنان استعادة تألقه ودوره وقدرته على استنهاض اقتصاده وتطوير دوره في المنطقة، مرتكزاً على المبادرة العربية التي أطلقت في قمة بيروت عام 2002، وهي تقوم على تسوية القضية الفلسطينية وفق حلّ الدولتين والتمسّك بالقضايا العربية المحقّة”.