جاء في “نداء الوطن “:
لا يمكن تفسير مسوّدة قرار “استعادة أموال الصادرات”، إلا انها إمعان في ضرب أسس النظام الليبرالي الحر الذي قام عليه لبنان. فالقرار الذي سنّه “المركزي” وأرسله إلى وزارة الصناعة لابداء الرأي، يفرض تحويل قيمة فواتير التصدير إلى المصارف اللبنانية خلال مهلة أقصاها 45 يوماً من تاريخ التصدير. وفي حال التخلف يتم تجميد رقم المصدّر الضريبي، ويمنع من تسجيل أي بيان استيراد وتصدير قبل إتمام تعهده بتحويل المبلغ المطلوب إلى لبنان، أو إدخال ما يعادله من Fresh money إلى المصارف اللبنانية.
هذا القرار الذي لم يُشهد له مثيل، حتى في انظمة البعث الإشتراكية، “من شأنه تفجير الوضع الإقتصادي في لبنان”، بحسب الصناعي بول أبي نصر. وهو قد يكون من أخطر القرارات التي من الممكن اتخاذها. ليس لأنه ينحو بلبنان باتجاه الأنظمة الموجهة، بل “لتهشيله” كل المنتجين والمصدرين سواء كانوا صناعيين أو زراعيين أو وسطاء تجاريين.
خطورة القرار لا تقف عند حدود فرض إرجاع عوائد الصادرات، إنما تتخطاها إلى التدخل في كيفية التصرف في هذه الاموال. حيث يحق للمصدر سحب Fresh dollars من هذه المبالغ بنسبة معادلة لنسبة الأرباح المحددة، أما المبالغ المتبقية فتسحب بالليرة اللبنانية على أساس سعر يفوق الـ4000 ليرة.
هذا القرار “الخنفشاري” برأي المنتجين، يهدد التصدير من لبنان بشكل مباشر. حيث إن هناك الكثير من العملاء في الخارج يرفضون تحويل الدفعات إلى المصارف اللبنانية، بسبب مجموعة من المخاوف والشكوك والعراقيل والدعاوى القائمة. و”أمام هذا الواقع لا يبقى من خيار أمام الصناعي إلا توضيب مصنعه والخروج من لبنان”، يقول أبي نصر. و”في هذه الحالة يفقد لبنان القناة الثانية التي تؤمن التدفقات النقدية بالعملات الأجنبية بعد تحويلات المغتربين”.
ما يأتي ضمن “فلسفة” التوفيق بين “الحفاظ على الإقتصاد الحر وتحقيق الغاية المالية والنقدية لهذه الآلية”، ما هو في الحقيقة إلا دليل على إفلاس المصارف ومحاولة تعويمها على “ظهر” المصدّرين. فيما الأجدى كان تأمين السيولة من خلال استرجاع الأموال التي أخرجها نافذون من سياسيين وأصحاب مصارف بعد تأكدهم من المسار الإنهياري الذي يسير فيه لبنان.
تمرير هذا القرار يعني الكتابة بالخط العريض أن لبنان لم يعد بلداً ذا اقتصاد ليبرالي حر، وقطع كل منافذ الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة. فاذا كان التصدير، الذي هلّل له ووصف بانه مستقبل لبنان ومؤمن بدائل الاستيراد “يُبطش” به، فكيف ستكون الحال مع بقية المستثمرين من المغتربين والعرب والأجانب”، يسأل أبي نصر. ليجيب: “لم يعد هناك من ثقة ولا ضمانة بأن من يحوّل دولار إلى لبنان يمكن استرجاعه. وهذا اكثر ما يسيء للاقتصاد ويبعد المستثمرين”.
ما يجري يعيدنا إلى ضرورة المباشرة بالخطة الشاملة، ووضع قانون ضوابط لرأس المال على قواعد واضحة وسليمة ترعاها وتشرف عليها جهات موثوقة كصندوق النقد الدولي.