كتب طوني عيسى في “الجمهورية”: نزلت إلى الشارع شرائح من “الثورة” وبقيت أخرى تتفرّج أو تترصَّد، لأن لها وجهات نظر أخرى، أو مصالح أخرى. فيما انقضّت قوى السلطة على “الثوار”، وبدأت تنفيذ خطة مُحْكَمة لاستيعاب حراكهم، استخدمت فيها السياسة والأمن والإعلام أيضاً. وعندما نزل الخصوم السياسيون إلى الشارع، تعرضوا للتخوين والاتهامات بالتخريب. وفي النتيجة، تضعضع الحراك الشعبي اليوم، كما في مرات سابقة.
الأقوياء في السلطة عرفوا كيف يواجهون الحراك الاعتراضي ويحبطونه. هذا صحيح. لكن الصحيح أيضاً هو أن هذه الثورة وافقت مسبقاً على أن تكون عاجزة، لأنها رفضت توحيد البرنامج والقيادة وأفسحت المجال لأقوياء السلطة – أو سلطة الأقوياء – لكي يربحوا.
هذا الخلل البنيوي في الانتفاضة يتيح لها في أفضل الأحوال أن تؤدي دوراً ظرفياً في التعبير عن الغضب، وهي فعلت ذلك منذ انطلاقها. ولكنه بالتأكيد يمنعها من تطوير عملها في شكل عملاني حتى تحقيق الأهداف.
وفي هذا الشأن، سُمِع في الأيام الأخيرة مَن يقول: إذا لم يكن بعض المعنيين بـ”الثورة” مستعدين لجدّيةٍ في التعاطي تتناسب وحجم التحدّيات، فمن المناسب أن يكفّوا عن ممارسة لعبة الشارع ويتركوه لـ”الجدّيين فقط”. فحرامٌ تعليق الناس بآمالٍ واهية والتلاعب بهم في حقول التجارب المريرة!
في العادة، الثورة تعيش ثم تأكل أبناءها. لكن الحاصل اليوم هو أنّ أبناء الثورة يأكلونها قبل أن تولد. وبات على هؤلاء أن يقرِّروا: إما إنجاحها وإما الفشل. لكن الوقوف في مساحة التأرجح والإرباك سيكون مُكْلفاً جداً للجميع. فما بعد انفراط الثورة سيكون أمراً أصعب منها بكثير.
المصدر: الجمهورية