كتبت فرح نصور في “النهار”:
بعد تجاوز الدولار عتبة العشرة آلاف ليرة، ضجت الاخبار عن تأثير التطبيقات المعنية على التلاعب بأسعار الصرف على سعر الدولار. وتبين امس ان خبيرين في المعلوماتية تمكنا من الكشف عن هوية مشغِل ومبرمِج لبعض هذه التطبيقات.
حوالي ثلاث ساعات من البحث والتفتيش في بيانات الإنترنت كانت كفيلة بالكشف عن مبرمِج محتمَل لأهمّ تطبيق (USD market ) متداوَل في لبنان لسعر صرف الدولار ومشغّله.
وفي ظل تأخر اجهزة الدولة في اتخاذ اجراءات جدية، وخصوصا فرع مكافحة جرائم المعلوماتية، قبل ان تعمد هيئة “اوجيرو” الى منع بعض التطبيقات قبل يزمين، جهد حسن بدران ومجد دهيني، وهما متخرجان باختصاص برمجة الكومبيوتر في الجامعة اللبنانية ، لتوظيف خبرتيهما التقنية في مجال الأمن السيبراني لمساعدة الدولة في هذا الإطار. “صحيح أنّ هذه التطبيقات ليست سبب أزمة ارتفاع الدولار، لكن لها هامش تأثير على سعر الصرف، ومن المؤكّد أنّ هناك مَن يستفيد من جرائها، خصوصاً وأنّ البحث أظهر أنّ التطبيق مرتبط بثلاثة تطبيقات مُتاحة في الأسواق وقد تكون مرتبطة بأكثر من ثلاثة، وجميعها تعود لاسم مبرمِج واحد، وهذا دليل على عدم براءة هذا الأمر”، يقول حسن بدران.
بدأ حسن ومجد البحث في محرك البحث “غوغل” عن تطبيق USD market و”كانت نقطة البداية التي كشفت الكثير”. حمّلا التطبيق ووصلا إلى شخصٍ يُدعى عمر الشاوي، وهو مدير ومشغِل لعدة تطبيقات خاصة بأسعار الصرف في لبنان وسوريا وتركيا، ويعيش حالياً في ألمانيا، بحسب بدران. طبّقا ما يُسمّى بتقنية “الهندسة العكسية” بشكلها القانوني على التطبيق، لإيجاد ما يدلّ على هوية المبرمِج، وبحثا في رمزه السري إلى أن وجدا أنّ المبرمِج قد نسي اسمه داخل التطبيق وهو المدعو وليد الحسن، وفق بدران.
وبعد البحث في “غوغل “ عن الحسن، وصلا إلى معلومات عنه. وكونهما مبرمجين، استطاعا الوصول إلى الشبكة الاجتماعية التي يتواجد بها الحسن كمبرمِج، ومن هنا تأكّدا أنّ الحسن هو من برمِج التطبيق. ولمزيد من التأكّد طبق بدران ودهيني الطريقة نفسها على تطبيق للحسن في سوريا للتأكّد من أنّه هو مبرمِجه، بالإضافة إلى ورود اسمه في منتدى لترويج تطبيقات لأسعار الصرف في السوق السوداء أيضاً في لبنان وسوريا وتركيا. ولتأكيد إضافي، بحثا في خدمة متخصصة أونلاين، ووصلا إلى اسم عمر الشاوي وعنوان سكنه في السعودية، ووجدا أنّ اسم الشاوي مرتبِط بالتطبيق السوري واللبناني والتركي، وبالتالي، اسم وليد الحسن وعمر الشاوي مذكورين في داخل التطبيقات في الدول الثلاث. ومشى دهيني وبدران في تسلسلٍ منطقي، وجمعا المعلومات كلّها ليستنتجا أنّ الشاوي هو مشغِل الحسن الذي برمج تطبيق USD market.
البيانات التي جمعها بدران ودهيني هي بيانات عامة ومُتاحة لمَن لديه أدنى خبرة بالبرمجة، و”بالتأكيد إذا ما توسّعنا في البحث وبدعم من الدولة، يمكن الوصول إلى مشغِل الشاوي، كما يمكننا أن نبحث بجميع التطبيقات الموجودة في لبنان والتدقيق بها، وحتى الآن عرفنا أنّ لديه شركة برمجة، واسم شركته موجود في نظام تشغيل “أبل” على أنّها هذه الشركة التي برمجت USD market .
من جهته، أكّد المدير العام لهيئة “أوجيرو”، عماد كريدية لـ “النهار” أنّه “تواصلنا مع حسن بدران ومجد دهيني لتوضيح الدراسة التي قاما بها والنتائج التي توصلا إليها بما فيها مسؤولية محتمَلة لشخصٍ ما في إدارة التطبيق، وسنجتمع بهما لمعرفة كيف طبّقا “الهندسة العكسية” لأنّها تقنية بحاجة لأن يتم المصادقة عليها من قبل “أوجيرو” للتأكّد من سلوكهما الطريق الصحيح أم لا، ونحن نتابع معهما ونتحقّق من نتائجهما، لكن بالنتيجة هما قاما بعمل جيد جداً”. ووضع كريدية القضاء ومدعي عام التمييز والقاضية غادة عون بصورة ما خلصا اليه، و”سنتابع مع الأجهزة القضائية والأمنية وبدران ودهيني هذا الموضوع.
وفي ما يتعلق بحجب التطبيقات المعنية بأسعار الصرف، برأي كريدية أنّ “توقيف موقع هو أمر سهل، لكن أن يعاود الانطلاق بتقنية مختلفة هو أمر أسهل من التوقيف، لذلك يكون الأمر كما لعبة القط والفأر بيننا وبين المبرمٍج”. لذلك، اقترح على الجهات القضائية أن تراسل بشكل رسمي Google Play وموقع Facebook عبر وزارة الاتصالات بحسب الأصول المتبَعة لطلب منهما توقيف هذه المواقع وخصوصاً توقيف التطبيقات و”هذه طريقة فعّالة لوقف التداول بها بين الناس، و”أوجيرو” تقوم بتوقيف أي موقع فور إيجادها له”.
في ما يخص الناحية القانونية، يرى مؤسس منظمة “Justicia” الحقوقية، المحامي بول مُرقص، أنّ “توقيف مبرمجي هذه التطبيقات تقنياً صعب لأنها تُفتح غالباً من خارج لبنان، لكن الأمر ليس مستحيلاً، لانه لا يدخل ضمن التعامل الدولي لأنّ هذه التطبيقات تتوخى شبكة الإنترنت المفتوحة والتي لا سلطة مباشرة للدول عليها، لكن هناك طرق ووسائل تقنية يمكن من خلالها إعاقة فتح هذه التطبيقات في مساحة جغرافية معينة إذا لم تتم معالجتها من المصدر أي من حيث تنطلق”.
والتفكير على هذا النحو من الإجراءات هو جيّد لكنّه لا يعيد الدولار إلى سعره الرسمي ولا حتى إلى سعره المعقول، فهذا الإجراء شأنه شأن الإجراءات الأمنية القمعية والردعية، وهو إجراء من ضمن الإجراءات القصيرة الأمد.
و”يبدو جلياً أنّ مبرمِجي هذه التطبيقات اختصاصيون محنّكون وليسوا هواة، وهم من خلفية مالية وتقنية متقدّمة جداً، وربما سياسية، بدليل أنّها تشبه إلى حد كبير تطبيقات عالمية، وأرجّح أنّ التحكّم بالأسعار في هذه التطبيقات مرتبط بمدى توفّر العملة، سواء المحلية أم الأجنبية، لدى اللاعبين الداخليين في لبنان، ممّا يعني أنّ التلاعب بالأسعار مُفتعَل ويهدف إلى الربح المادي و/أو إلى التأثير السياسي في البلاد”، على ما يقول مرقص.
وعلى الدولة أن تتحرّك في هذا الإطار، وبنظره “ليس هناك ما يمنع من ملاحقة قانونية لهؤلاء المبرمجين، لكنّها لا تجدي نفعاً وحدها، إنّما بحاجة إلى موانع تقنية لحجب هذه المواقع، وليس مستغرباً إذا تم حجب هذه التطبيقات من أن تبرز تطبيقات أخرى من بلدان أخرى”.