فاجأ التقرير الذي نشرته وكالة “بلومبيرغ”، عن احتمال فرض عقوبات على حاكم المصرف المركزي في لبنان رياض سلامة، الأوساط السياسية والاقتصادية.
فالوكالة الدولية أشارت، بالاستناد إلى أربعة مصادر مطلعة في وزارة الخارجية الأميركية، إلى أن سلامة سيكون على الأرجح على لائحة العقوبات. ما يضع النظام المالي برمته في لبنان تحت الخطر.
فالعقوبات على أي مصرف مركزي تعني عزل الدولة تماماً عن النظام المالي العالمي والتحويلات من البلد وإليه. ما يعني انهيار النظام المالي والاجتماعي، خصوصاً في بلد تشكل التداولات بالدولار الأميركي النسبة الأكبر من النشاط المالي، إضافة إلى كون لبنان يستورد عبر المصارف 80 في المئة من حاجاته.
ولكن، تقرير “بلومبيرغ” ليس الأول في مسلسل الحرب على حاكم المصرف المركزي. ما يطرح كثيراً من التساؤلات، لا سيما أن الطبقة السياسية التي حكمت البلاد منذ نهاية الحرب (1990) مسؤولة بشكل مباشر عن الإنفاق والهدر والفساد في مؤسسات الدولة، لتكون بذلك مسؤولة مباشرة عما وصل إليه لبنان من انهيار لم يشهده في تاريخه، وعن جوع يقرع الأبواب، بعدما سجل سعر صرف الدولار مستويات فاقت الـ10 آلاف ليرة، وتفلّت ينذر بالأسوأ.
تسريبات لمنع إعادة هيكلة المصارف
يوضح رئيس تحرير موقع “IM Lebanon” طوني أبي نجم أنه وبتاريخ 2 مارس (آذار) تسرّبت معلومات مفادها أن هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، برئاسة الحاكم سلامة، شكلت لجنة لتنظيم زيارات ميدانية إلى المصارف للتأكد من تطبيق التعميم 154، على أن تقدّم اللجنة تقريرها لإجراء المقتضى اللازم. وفي التسريبات، توقعت مصادر مالية أن تُشن “حملة إعلامية مدفوعة” ضد الحاكم لمنعه من تطبيق التعميم الذي يؤدي إلى الحفاظ على ودائع اللبنانيين عبر حماية القطاع المصرفي.
في 3 مارس، أطلقت إحدى الصحف المعروفة على أنها رأس حربة في فريق الممانعة في لبنان، حملة ضخمة ضد حاكم المركزي وسرّبت جوانب من التحقيق السويسري ونسبته إلى مصادر “قضائية ودبلوماسية سويسرية”. مع العلم أنه يستحيل نظرياً أن يسرّب القضاء السويسري معلومات. فكيف بصحيفة تمثل “حزب الله” في لبنان أن تحصل عليها؟
واستمرّت الحملة في اليوم التالي، قبل أن تنضم إليها في اليوم الثالث جريدة “لوريان لو جور” اللبنانية الناطقة باللغة الفرنسية، عبر تقرير مطوّل يهدف إلى التشهير بالمديرة التنفيذية لمكتب حاكم المصرف ماريان الحويك.
وتمثلت ذروة الهجوم الإعلامي، في التقرير الذي نشرته وكالة “بلومبيرغ” بأن الإدارة الأميركية تدرس وضع عقوبات على سلامة، من دون أن تستند إلى أي مصادر أميركية فعلية، واتضح أن التقرير يعتمد على مراسلة الوكالة في بيروت.
هل دُفعت أموال لنشر تقارير صحافية؟
بحسب تقاطع معلومات، يكشف أبي نجم أن ثمة ما يؤكد أن عملية دفع أموال حصلت في بيروت، مقابل نشر التقرير في “بلومبيرغ”. وتشير المعلومات إلى أن المبلغ يقدّر بعشرات آلاف الدولارات.
وتلقفت وسائل الإعلام التي تدير الحملة على سلامة تقرير الوكالة، وعملت على نشره بشكل مكثف.
وبعد ساعات من نشر التقرير، عمدت واشنطن إلى نفي ما ورد فيه بشكل حاسم وعلى أعلى المستويات، بدءاً بالناطق الرسمي باسم الخارجية الأميركية وصولاً إلى الناطق باسم السفارة الأميركية في بيروت. لتسقط حملة الفبركات على سلامة بالضربة الأميركية القاضية.
يتابع أبي نجم، أن السلطات الأميركية، إضافة إلى نفي ما ورد في “بلومبيرغ”، أكدت متانة العلاقة بين سلامة والأميركيين، واستمرار ثقة واشنطن به في إدارة المصرف المركزي والقطاع المصرفي في لبنان.
يضيف أبي نجم أن إصرار حاكم المركزي على تطبيق التعميم 154 بشكل حاسم، أدى إلى امتعاض وقلق كبيرين لدى مجموعة تسعى منذ أكثر من 18 شهراً إلى إسقاط النظام المصرفي بكل الوسائل المتاحة، وأهمها الضغط على رئيس الحكومة حسان دياب في مارس الماضي لاتخاذ قرار التخلف عن دفع مستحقات لبنان المالية، أي سندات اليوروبوندز. ما أدى إلى انهيار سعرها وخسارة المصارف أكثر من 14 مليار دولار، إضافة إلى محاولة بعض أركان هذه المجموعة تمرير اقتراح قانون في مجلس النواب للسماح بسداد القروض للقطاع الخاص في سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة. ما يؤدي إلى خسارة المصارف أكثر من 30 مليار دولار، وكلها من أموال المودعين. والهدف هو إفلاس القطاع المصرفي لإسقاطه تمهيداً لدخول مصارف جديدة محسوبة على محور الممانعة، بعدما كانت الخطة المالية لحكومة دياب أوردت بنداً ينص على الترخيص لخمسة مصارف جديدة.
مقاضاة “بلومبيرغ”
أعلن سلامة، في بيان، بعد نفي وزارة الخارجية الأميركية الادعاءات الموجهة ضده، أنه سيتقدّم بسلسلة دعاوى قانونية في داخل لبنان وخارجه بحق وكالة “بلومبيرغ” الأميركية ومراسلتها في بيروت وكل من يقف وراءهما بجرائم فبركة أخبار والإساءة ومحاولات تشويه سمعة حاكم المصرف المركزي.
وأضاف بيان الحاكم أن التمادي في هذه الإساءات بات يحتّم تحرّكاً من جميع الذين يدّعون الحرص على المصرف المركزي وسمعة لبنان المالية. ما يرتدّ سلباً على جميع اللبنانيين ويجعل هذه الجرائم ترقى إلى مرتبة الخيانة الوطنية وتمسّ بالأمن المالي للبلد وفرص إعادة الإنقاذ.
تواصلت “اندبندنت عربية” مع مراسلة مكتب بيروت لدى “بلومبيرغ” دانا خريش لاستيضاح المعلومات حول المصادر التي ارتكزت عليها الوكالة والاتهامات التي سيقت ضدها حول تقاضي الوكالة أموالاً لنشر المقال على المنصة. وردت خريش بأن أي استيضاح يجب أن يتم عبر المكتب الرئيسي للوكالة. وبعد مراسلة المكتب، ردت الوكالة بأن المعلومات تقدم بها أحد المتحدثين الإخباريين المعتمدين لدى “بلومبيرغ”، مؤكدة أن مزاعم تلقيها أموالاً مقابل نشر التقرير غير صحيحة.
المصدر: mtv