لم يكن إرتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء في اليومين الماضين بريء. هذا الأمر ليس تكهنا ولا هو بمعلومات،
بل هو نتاج تحليل هيكيلة سوق سوداء يحتكرها قلّة قلية من اللاعبين
لا يزيد عددهم عن عدد أصابع اليدّ ويُضاربون على الليرة اللبنانية خلافًا للقوانين المرعية الإجراء ويتوجّب ملاحقتهم عملا بالمادة ٣١٩ من قانون العقوبات.
إنتظر المُضاربون حتى عاودت المحال التجارية فتح أبوابها ليقوموا برفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء من خلال صرّافين صغار يعملون لديهم.
يأخذ الكبار القرار ويقوم الصغار بتطبيق هذا القرار! وهل نسينا الرسائل في هاتف أحدهم «يالله إرفعوا سعر الدولار للـ ٥٠٠٠»؟
هيبة الدولة إضمحلّت، هيبة أجهزة الرقابة إنتحرت أو بالأحرى أُنتحرت تحت وطأة تواطئ بعض الصرافين
مع بعض التجار مع بعض المصارف مع بعض أجهزة الدولة ليُشكّل كل ذلك كوكتيل وسخ يدفع ثمنه المواطن اللبناني.
إذا ومما تقدّم الأداة التنفيذية لرفع سعر الدولار في السوق السوداء هي عصابة تعرفها أجهزة الدولة ولا تُحركّ ساكنا اما خوفا أو تواطؤا.
وتبقى الأسباب الرئيسية لتوقيت رفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء تتمحور حول أربع نقاط:
أولا- الوضع السياسي القاتم الذي يشوب البلاد والذي يجعل تشكيل حكومة حلّم لا يُمكن تحقيقه.
أضف إلى ذلك الغياب الكامل لحكومة تصريف الأعمال التي لا تقوم بأي إجراء للجم الوضع؛
ثانيا- قرب رفع دعم مصرف لبنان عن المواد الغذائية والأولية والذي سيؤدّي إلى زيادة الطلب على الدولار في السوق السوداء؛
ثالثا- الأحاديث عن تورطّ بعض المصارف في شراء دولارات في السوق السوداء لكي تستوفي الشروط المفروضة عليها من قبل مصرف لبنان في القرار الأساسي ١٥٤،
وهو ما يُشكّل مخالفة (في حال إثباته) يُعاقب عليها القانون؛
رابعا- إستمرار عمليات التهريب إلى البلدان القريبة والبعيدة حتى وصلت إلى غانا وكنشاسا والكويت وغيرها؛
عمليا هذا الأمر هو أمر مُفتعل!
وللتأكد يكفي الذهاب إلى مخازن إثنين من أكبر سوبرماركات لبنان لمعرفة أن المواد المدعومة موجودة في هذه المخازن في حين أن الرفوف في الصالات فارغة.
تجار تحوّلوا إلى شبكات منظّمة تحمل غطاء سياسي وتدّعي العفّة على شاشات التلفزة! بئس هذا الزمن.
يقول أحد المصادر لجريدة الديار، أن عملية رفع الدولار في السوق السوداء مخطّط لها منذ فترة،
حيث نرى أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء بقي فترة طويلة ما بين الـ ٨٥٠٠ و٩٥٠٠ بإنتظار تزامن عدّة عوامل:
أولا- خلق فوضى إجتماعية تنفيذًا لأجندة سياسية مُعيّنة؛
ثانيا- إستفادة التجار (الذين يخُزنون المواد المدعومة ويرفضون بيعها)
والصرافة (الذي يحققون أرباحا خيالية)، وبعض المصارف التي تُقلّل من ودائعها على حساب المواطن.
ثالثا- إيجاد حجّة أو عذر يسمح بتبرير هذا الإرتفاع
وما هو أفضل من التعميم ١٥٤ ونهاية المُدة المُعطاة للمصارف للهجوم على هذا التعميم المرفوض من قبل المصارف؛
والغريب العجيب في هذه الحكاية الدروس الأخلاقية التي يُعطيها هؤلاء على شاشات التلفزة
في حين أنهم يعمدون إلى سحب المواطنين كراماتهم من خلال إذلالهم وتجويعهم من دون حسيب أو رقيب.
تجارة الشيكات هي الوسيلة الأخرة التي يستفيد منها الصرافون وبعض المصرفيين!
بهؤلاء بدأوا بنشر شائعات في منطقة صيدا منذ الأسبوع الماضي عن قرب موعد توقف قبول المصارف الشيكات.
هذا الأمر تفاعل وأخذ العديد من المواطنين ببيع الشيكات إلى الصرافين بأقّل من ٢٥٪ من قيمة الشيك ليُعاود هؤلاء تقاسم الأرباح مع المصارف.
سرقة موصوفة، السكوت عنها جريمة!
أين الدوّلة من هذا الأمر؟ وأين لجنة الرقابة على المصارف من هذا الأمر؟ هل هو تقصير أو إستفادة؟
أسئلة يتوجب على السلطات الردّ عليها لأن ذلك من حق المواطن،
إذ لا يكفي الإستنكار والمطالبة بملاحقة المخالفين بل يجب تنفيذ هذا الامر تحت طائلة إتهام المسؤولين بالتأمر ضدّ شعبهم.
على هذا الصعيد، طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التحقيق بموضوع التلاعب بسعر صرف الدولار في السوق السوداء ومعرفة الأسماء وتحويلها إلى القضاء.
وبالتالي فإن الأنظار تتوجّه نحو سلامة لمعرفة ماذا سيفعل ومتى سيتحرّك لمعرفة المتلاعبين بالأسماء والإثباتات.
المُستقبل ليس بتفاؤلي خصوصًا أن التوجهات الإقليمية هي نحو التعقيدات مع إرتفاع منسوب المواجهة بين الجمهورية الإسلامية في إيران والولايات المُتحدة الأميركية
على خلفية الهجوم على القاعدة العسكرية في العراق وإدراج الولايات المُتحدة لأسماء حوثيين على لائحة العقوبات بالإضافة إلى أسماء مسؤولين روس (من بينهم رئيس الوزراء السابق) ومسؤولين إيرانيين.
وهذا الأمر يجعل مصير لبنان مُعلّقًا على حلحلة الملفات الإقليمية.
وبالتالي وفي ظل غياب الأفق السياسية، يرى المواطن اللبناني نفسه رهينة مافيات السوق السوداء
التي ترفع من سعر الدولار ومعها كل الأسعار. إذًا كيف سيكون مُستقبل هذا المواطن وكيف سيواجه هذا المُستقبل؟
التحليل يُشير إلى أن لا رادع أمام مافيات الدولارات المُوزّعة بين الصرافين، والتجار،
والمصرفيين خصوصًا مع غياب الرقابة من وزارة إقتصاد، وزارة مالية، وأجهزة أمنية للجم جشع هؤلاء.
في المقابل تُشير المعلومات في الصحف الأجنبية (الأميركية والفرنسية)
إلى أن الضغوطات الدولية وخصوصًا الأميركية هي نحو تجفيف الدولارات في لبنان وسوريا.
وبالتالي كيف للمواطن اللبناني أن يصمد في ظل غياب السلطة السياسة ووجود هذه العوامل القاتلة.
من هذا المُنطلق، سنصل إلى نقطة أشار إليها السيد حسن نصر الله في خطابٍ سابق، ألا وهي العودة إلى الزراعة. نعم سنعود إلى الزراعة والصناعة،
لأن بذلك مجالا للخروج من الأزمة أو أقّله الصمود أمام الإعصار الذي يعصف بلبنان.
إن كل من يأكل من عرق وجبين المواطن عن غير وجه حقّ، هو سارق وقليل الأخلاق، ويوم حسابه عند ربّه قادم.
المصدر: ليبانون فايلز