يرتفع سعر رغيف الخبز يوما بعد يوم، ويثقل كاهل شعب لم تنصفه البلاد منذ اندلاع حرب أهلية أخذت معها الخير والبركة . والغريب في الأمر أنه في مدينة كطرابلس، فقد الرغيف منذ ما قبل احتدام الأزمة الاقتصادية الكثير من ميزاته إلا في ما ندر. وفي ذكريات الطرابلسيين خبز يفوح عطرا ينتقل ساخنا إلى يد مستهلكه، لكن مثل هذه الظاهرة تراجعت حتى اندثرت أو كادت.
ويروي أبناء الحواري القديمة أن بعض الافران تأسس بمبادرات من “اكابرية” الأحياء بعد اتساع رقعة المدينة ، أو لنقل بعد اتساع مساحة المدينة الكبرى التي صارت فيما بعد مدينتين هما طرابلس والميناء .
ويروي الأهالي انه، وعند الحاجة إلى فرن، اجتمع حشد من القادرين وابتاعوا أرضا وبنوا عليها فرنا قدم خبزا ففاحت منه رائحة الخميرة الطيبة وقتها ثم عبقت رائحة الخبز في الإرجاء. وقبيل الأعياد كانت طرابس تغرق في روائح السمن الحموي أو البلدي الأصلي فيما كانت ” الصواني” تطير فوق رؤوس حامليها فتعبر الأحياء لتستقر في بيوت صنعت فيها أيادي الخير حلويات كثيرة نعرفها جميعا وليس ابرزها “المعمول والمرقد” وما شابههما.
ومع دخول الافران الاكترونية إلى طرابلس غاب جزئيا رغيف الخبز الساخن واندثر مشهد الفرانين وهم يحرسون بيت النار ليخرجوا منه على مدار الساعة تلك المادة التي تضحك الوجوه حتى أنها استحقت ضرب المثل ليقال عن قساة القلوب انهم “ما بيضحكو للرغيف السخن”.
وكم من رجل من أبناء المدينة يذكر أنه أكل أكثر من رغيف وهو يحمل قدرا منه لعائلته وهو في عمر الطفولة والمراهقة فاضعف إرادته رغيف ساخن برائحة ساحرة غلابة قوية نافذة.
ولكن وللاسف الشديد تراجع تأثير الافران الصغيرة، وتضاءل نتاجها وغابت المشاهد التي كانت تميزها فبقي منها من آثر من أصحابها جهاد البقاء في ظل ظروف هي اليوم قاسية صعبة ومؤلمة.
ولعله من الواقعية بمكان أن نشير إلى أبرز الافران التي لا تزال تقاوم ببيوت النار فيها وتوقد نار بحطب والتي يعتبر ابرزها في عمق طرابلس خلف المسجد المنصوري الكبير وفرن البيطار الشهير في ساحة الدفتردار إلى فرن بقرب مستشفى شاهين بين التل والزاهرية فافران المير، الى حانب افران في الميناء كالراعي وسمنة والحنتور والسنكري وجبر، وقد أقفل قسم من هذه الافران في ارجاء المدينتين وفي جوارهما بعد نهاية الحرب لأسباب عدة لعل أبرزها العجز عن المنافسة.
ولا نسقط من الذكر افران الكعك الطرابلسي التي تقدم يوميا آلاف الارغفة الساخنة مع شتى أنواع الجبنة والشوكولاته وغيرها، وهذا الأمر إلى جانب افران الخبز الافرنجي “السمون” وبعض الحلويات ككعك التمر والممدودة واقراص اليانسون وتوابعها.
وتتوزع كل هذه الافران في الارجاء فتبقي على جزء من مهنة تعاني ما تعانيه اليوم مع ارتفاع أسعار السكر والخميرة والاكياس والمحروقات والحطب وقد إزدادت المشاكل التي تضغط على هذا القطاع بشقيه القديم التراثي والآخر الممكنن حتى بتنا نسمع أصوات أصحاب هذه الافران يرتفع وجعا وقلقا.
ويسرد أصحاب الافران في طرابلس حكايتهم مع تحديات العمل اليومي فيشيرون إلى أن أبرز العوامل الضاغطة تلك التي تتاتى من الافران الكبيرة التي تسوق نتاجها في طرابلس وتقدم عروضا مغرية لأصحاب المؤسسات التجارية وبعض باعة الخضار الأمر الذي يؤثر مباشرة على العمل وظروفه.
ثم في الأمس القريب حلت لعبة التجارة بالطحين المدعوم وغير المدعوم كعبء إضافي إذ سعى البعض من كبار التجار واصحاب المطاحن إلى ما يشبه الاحتكار أو المفاضلة فدفع الضعيف الثمن أو حصل ذلك فعلا مع غير المحظيين. ومع ارتفاع أسعار السكر والخميرة والطحين واكياس النايلون والمازون صارت التزامات أصحاب الافران في المدينة أكثر مما كانت عليه فلم تبقى المنافسة الهم الأكبر بل صارت الهموم المتنوعة والمتزايدة تتفاقم بشكل لافت يوما بعد يوم.
اما سياسة دفع الحماسة في قلوب الطرابلسيين لكي يقصدوا افران مدينتهم فلن تؤتي ثمارها فالاعباء أكبر من ذلك والحلول بيد حكومة أقل ما يقال فيها أنه عجزت عن إدارة الأزمة الراهنة.
وللاسف الشديد يعود رغيف الخبز إلى واجهة الإهتمامات وقد فقدت الدولة بعد طول أداء من الاستهتار والفوضى قدرتها على العناية بالرغيف وأول المتأثرين الفقير في طرابلس وكل لبنان.
لسنا مكسر عصا
وامس لفت رئيس نقابة أصحاب الأفران في لبنان الشمالي النقيب طارق عبدالله المير إلى أزمة يعاني منها أصحاب الافران في طرابلس، وسأل وزير الاقتصاد والتجارة راؤول نعمة عن التجاوزات والكيل بمكيالين ودعم المحسوبيات، على حساب 91 فرنا”، وهذا الأمر لن نقبل به. وقال: لن نقبل أن نكون في طرابلس والشمال حقل تجارب..
وطالب المير باسم أعضاء النقابة واصحاب الأفران في طرابلس والشمال، بالتعامل مع أصحاب الأفران وفقاً لمعايير متساوية لا وفقاً لمحسوبيات وتدخلات من هنا وهناك، فالجميع بات يعرف ان دعم مواد الخميرة والسكر والنايلون وغيرها امر لم تتم ترجمته كما يجب، والبونات تتوزع هنا وهناك ولم يتم توفير هذه المواد ، حيث أصبحت مثل الشيكات بلا رصيد، وهناك بعض الأفران في طرابلس ، ولحسابات سياسية وعنصرية، تحصل على كمية كبيرة من الطحين ولا تستهلك النصف شهريا، حيث يستعمل الطحين المدعوم لغايات أخرى، وفي نفس الوقت هناك حاجات الأفران وهي أكثر بكثير مما تحصل عليه، وعلى الرغم من ذلك لم تنل ربع الكمية المطلوبة، إضافة إلى تجاوزات بعض المسؤولين في مكتب الشمندر السكري الذين يتعاملون معنا بكيدية، ونحن على استعداد لان نبرهن للوزير والمسؤولين ان مدير مكتب الشمندر السكري يتعامل على هواه، كما ونطالب برفع الدعم عن الخميرة والسكر ودعم القمح مئة في المئة، حتى نبقى على سعر واحد ..
وختم النقيب المير بالإشارة إلى ان افران طرابلس على طريق الانهيار وقريبا وسنقفل ابواب الأفران ونحمل المسؤولية لمعالي الوزير وكافة المعنيين، ولن نقبل أن نكون مكسر عصا.
المصدر: لبنان 24