مع أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون أكّد أنّ حقّ الناس بالتظاهر “مقدَّس”، لم يكن خافيًا على أحد أنّ تحرّكات الشارع الغاضب والمحتقن بعد تسجيل الدولار مستويات قياسية غير مسبوقة، لم تنزل بردًا وسلامًا على مؤيّدي الرئيس وداعميه، ولا سيّما على شارع “التيار الوطني الحر”.
وتمامًا كما تعاملت شريحة واسعة من “العونيّين” مع “انتفاضة” السابع عشر من تشرين الأول، على أساس أنّها جزء من “حملة”، وربما “مؤامرة” على “العهد”، رغم الظروف الاقتصادية والاجتماعية المأسويّة، تكرّرت المقاربة نفسها مع احتجاجات اليومين الماضيين، وما حملته من شعاراتٍ مناوئة بصورة أو بأخرى لـ”العهد”.
هكذا، وُجِد بين “العونيّين” من يسأل عن سبب “انفجار” الشارع عندما لامس الدولار حاجز العشرة آلاف دولار، كما لم يفعل عندما كان يسجّل سعرًا أدنى بمئة أو مئتي ليرة، ليخلُص إلى أنّ الأمر لا يعدو كونه “مؤامرة”، تختزل بين طيّاتها غاياتٍ مريبة، بل ربما “مشبوهة”، لتوظيفٍ سياسيّ لا يمتّ لـ”البراءة” بصلة.
علامات استفهام
بهذا المعنى، لدى “العونيّين” علامات استفهام وتحفّظات على الكثير من التفاصيل المرتبطة بحِراك الشارع المستجدّ. فصحيح أنّ ارتفاع الدولار “جنونيّ”، وصحيح أنّ تداعياته “كارثية” على الناس، بعدما أصبح الحدّ الأدنى للأجور أقلّ من 68 دولارًا، وفي ظلّ غلاء فاحش للأسعار، لم يعد معه الفقير قادرًا على سدّ جوعه، بلقمة خبز.
إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّ الصرخة المطلبيّة “المُحِقّة”، لم تنعكس كما ينبغي في الشارع، برأي “العونيّين”، الذين يشكون “تصويب” الغضب باتجاه فريقٍ سياسيّ محدَّد، هو “التيار الوطني الحر”، ومعه “حزب الله” بالتكافل والتضامن، وصولاً لحدّ دعوة البعض لاستقالة رئيس الجمهورية، وكأنّها “المفتاح السحريّ” للحلّ، الذي سيسمح للدولار بالانخفاض دفعة واحدة، والعودة إلى “قواعده” القديمة، وغير السليمة.
وفيما يستعرض هؤلاء “العونيّون” كمّ “الشتائم” التي لحقت برئيس الجمهورية وفريق “العهد” على هامش تحرّكات الشارع، يستغربون “تحييد” سائر الفرقاء بالمُطلَق، رغم أنّهم بمجملهم يمثّلون أركان الطبقة السياسية التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه بسياساتهم الاقتصاديّة التي كرّسوها على مدى عقود، والتي لا يمكن لأحد القفز فوقها اليوم، والإيحاء بأنّ “العهد منحوس”، وأنّه من جلب “الخراب” إلى البلاد، وكأنّ “الانهيار” يأتي بكبسة زرّ.
“العونيون” جاهزون!
يأسف “العونيّون” لكون الشارع انجرّ مرّة أخرى إلى بعض الشعارات “الشعبويّة” كما يقول، والتي لا تقدّم ولا تؤخّر، فيما المطلوب منه أن يقارب الأمور بطريقة مختلفة، لو كان راغبًا فعلاً بأن يحقّق حِراكه “خرقًا” يُذكَر، بعيدًا عن تسجيل النقاط السياسيّة، لتوظيفها في الصراعات الآنيّة، وخصوصًا على خطّ تشكيل الحكومة المعطَّل.
برأيهم، المطلوب من الشارع أن “يتكاتف” مع “التيار” لأنّ “أجندة” الأخير هي القادرة على تحقيق تطلّعات الشارع، كيف لا و”التيار” هو الذي ينادي بالإصلاحات، ويكاد يكون الوحيد الذي لا يزال متمسّكًا بالتحقيق الجنائي، فيما الآخرون يَبدون غير مكترثين في العلن، ويعملون في الخفاء على تعطيله والتشويش عليه بكلّ الوسائل المُتاحة.
وفي هذا السياق، يشيرون إلى ما جاء في بيان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية من تذكيرٍ بأهمية هذا التدقيق، و”مساءلة” لحاكم المصرف المركزيّ في شأنه. ويقولون استنادًا إلى ذلك، إنّهم جاهزون لـ”منازلة الشارع”، عبر وضع يدهم بيد المتظاهرين والمحتجّين الغاضبين، بشرط “إعادة هيكلة” شعاراتهم، ليكون “التدقيق الجنائي” على رأسها لأنّه المفتاح الحقيقيّ للحلّ.
يرى كثيرون أنّ “التيار” يعيش حالة “انفصام” عن الواقع، أو بالحدّ الأدنى، يعاني “إنكارًا”، لأنّه لا يزال يتصرّف كما لو أنه في المعارضة، رغم أنّه في الحكومات المتعاقبة منذ أكثر من عشر سنوات، قبل أن “يحتكر” السلطة بالمعنى الكامل، مع وصول عون إلى الرئاسة. لكن، بمُعزَلٍ عن دقّة هذا “التوصيف”، يبقى الأكيد أنّ الأزمة التي يتخبّط فيها جميع اللبنانيين تتطلب شعورًا بالمسؤولية، لأنّ “الانهيار” لن يفرّق بين مناصرٍ لـ”العهد” ومناوئ له، بل سيطال الجميع دون استثناء!