كتب غسان ريفي في ” سفير الشمال”: كما كان متوقعا، فقد إنقسم اللبنانيون بين مؤيد لطرح البطريرك الماروني بشارة الراعي الداعي الى عقد “مؤتمر دولي لانقاذ لبنان” وبين رافض له، وسط سيل من تبادل الاتهامات التي ضجت بها وسائل الاعلام، وأشعلت مواقع التواصل الاجتماعي وأظهرت حجم الأزمة التي يعانيها لبنان، والهوة السحيقة القائمة بين فئات شعبه ما يجعل البلد عبارة عن جزر متباعدة ومتناقضة في التعاطي مع الواقع القائم.
اللافت، أن البطريرك الراعي بدا في عظة الأحد أمس، منتشيا وسعيدا بما شاهده في “سبت بكركي”، وبردود الفعل عليه، وصولا الى إعلانه عن عدد الذين شاركوا فيه وهو 15 ألف شخص (بحسب العداد البطريركي)، وتأكيده على كل مواقفه التي سارع كل فريق مسيحي الى تبنيها ومحاولة تجييرها وفقا لمصالحه بدءا من القوات اللبنانية التي تشير المعلومات الى أنها كانت “الخافق والرافق” وفي التنظيم وتأمين الحشد الذي أعجب البطريرك، مرورا بالكتائب المشارك المضارب للقوات، وصولا الى التيار الوطني الحر الذي سارع الى الاشادة بالمواقف البطريركية طالما أنها لم تأت على ذكر رئيس الجمهورية ميشال عون أو رئيس التيار جبران باسيل، حتى بلغ الأمر بالبعض الى إعتبار أن البطريرك تحدث بلسان فريق العهد الذي لطالما نادي بهذه الطروحات.
تستغرب مصادر مواكبة عدم ترجمة البطريرك الراعي لانزعاجه من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف سعد الحريري والنائب باسيل في “سبت بكركي”، خصوصا أنه في عظات ماضية قام بتسميتهم وتحميلهم مسؤوليات مباشرة ما أدى الى توتر العلاقات مع بعبدا وأحيانا مع بيت الوسط، لكنه في هذه المرة حرص على تحييدهم والتحدث بالعموميات السياسية، والتركيز بشكل واضح على السلاح غير الشرعي وعلى الحياد، وعلى ضرورة مواجهة الانقلاب على الدولة وهو وإن لم يسم حزب الله صراحة، إلا أن الهتافات التي أطلقها جانب من المشاركين ضد الحزب ولم يحرك الراعي ساكنا تجاهها شكلت تناغما بين ما قصده الراعي تلميحا وعبّر عنه المشاركون تصريحا.
وتقول هذه المصادر: إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تربطه بسيد بكركي علاقات أكثر من ممتازة، ويُعتبر تدخله في لبنان عبر المبادرة الفرنسية نوع من أنواع التدويل الايجابي الذي يرضى به الجميع، سارع خلال إجتماع قصر الصنوبر الى إيقاف النقاش في بنديّ سلاح حزب الله والانتخابات النيابية المبكرة، كونهما بندين خلافيين لأن مبادرته تريد أن تفتش عن الحل لا أن تتسبب بمزيد من الخلافات والتوترات.
وتسأل هذه المصادر: إذا كان موقف فرنسا على هذا النحو تجاه سلاح حزب الله، فهل لدى البطريرك تدويلا قد يكون له رأيا آخر مضادا لرأي فرنسا التي تعرف خفايا الوضع اللبناني؟، وهل يريد البطريرك أن يكون جزءا من الحل أم جزءا من أزمة جديدة قد تجر لبنان الى ما لا يحمد عقباه، خصوصا بعد المواقف الرافضة لكل هذه الطروحات من حزب الله وحلفائه وإعتبار أن هناك من يتخذ بكركي متراسا لاطلاق النار على الحزب.
يبدو أن مواقف الراعي ستتقدم على ملف تشكيل الحكومة، خصوصا أن ردود الفعل مرشحة للتفاعل وصولا الى التأزم، في وقت تتوالد فيه الأزمات المعيشية مع بلوغ الدولار عتبة العشرة آلاف ليرة الى إنقطاع الكهرباء وفقدان الأدوية ونفاد الوقود من بنزين ومازوت، وصولا الغلاء الفاحش والصعوبات الحياتية والمآسي الاجتماعية والانسانية التي من شأنها أن تدفع اللبنانيين مجددا الى الشارع.. فهل تكون مواجهة مطالب الناس بتقديم طرح خلافي من شأنه أن يؤدي الى فتنة؟، أم أنه يكون بتدوير الزوايا وتقريب وجهات النظر والاستفادة من المواكبة الدولية وبالتالي الالتزام بتطبيق إتفاق الطائف وتشكيل حكومة وفقا للمبادرة الفرنسية ليستعيد لبنان ثقة المجتمع الدولي للبدء بعملية إنقاذه.
تقول مصادر سياسية مطلعة: إن توترات كبرى تلوح في الأفق، لذلك سارعوا الى قطع الطريق على فتنة “التدويل” بتطبيق الطائف وتشكيل الحكومة، قبل فوات الأوان.