لـ”التيار الوطني الحر” اعتباراته وحساباته ربما. فهو لا يريد “التصادم” مع بكركي، طالما أنّ الأخيرة هي مرجعيّة المسيحيّين الأولى في البلاد، فيما هو ينادي بحقوق المسيحيّين في مناسبة ومن دونها، ويتعهّد بالحفاظ عليها، وهو يحرص على إظهار “تنسيق” مستمرّ معها، من خلال اتصالات ولقاءات لا تنقطع، وإن ساد “الغموض” بعض أجوائها.
لكنّ “التيّار”، في الوقت نفسه، لا يريد أن يعكّر صفو علاقته بـ”حزب الله” المتأزّمة أصلاً، على وقع بعض الاختلافات التي ترقى لمستوى الخلافات، والتي تمّ تظهيرها في ذكرى توقيع التفاهم بين الجانبيْن أخيرًا، حين آثر “العونيّون” إثارة مسألة “بناء الدولة” كتحدٍ جدّي قد يحول دون صمود “التفاهم” لفترةٍ طويلة.
“ألغام” بين “نقيضين”
بين هذين “النقيضين”، حاول “التيار” أن يتجاوز “ألغام” تحرّك السبت، فيما طالته الكثير من “سهامه”، في ظلّ شعارات بعض المشاركين، ولا سيّما من محازبي “القوات” و”الكتائب”، التي لم تخلُ من التصويب على “التيار”، بل على رئيس الجمهورية ميشال عون نفسه، وصولاً لحدّ الدعوة المباشرة لاستقالته.
لكلّ هذه الأسباب، يعتقد كثيرون أنّ “التحرّك” بمضامينه وما انطوى عليه، لم يُحرِج “حزب الله” نفسه، وإن كان “المُستهدَف الأول” بالشعارات، بقدر ما أحرج “التيار”، وإن كان المحسوبون على الأخير ينفون ذلك، تمامًا كما ينكرون أيّ “تعارضٍ” بين أفكارهم، وطروحات البطريرك الراعي، خصوصًا لجهة توافق الجانبين على وجوب تحييد لبنان عن صراع المَحاوِر.
ويحيل المحسوبون على “التيار” السائلين إلى البيان الذي صدر عن هيئته التأسيسية قبل يومين، والذي أفرد لمساحات التوافق هذه حيّزها الواسع، حيث تعمّد التأكيد أنّ “التيار يشارك بكركي هواجسها في حماية الوجود وسعيها إلى تثبيت الشراكة المتوازنة بين اللبنانيين”، وخلص إلى أن “محاولات التشويش على هذه العلاقة لن تنفع فهي مبنية على حوار صادق وعميق”.
الشعارات لا تنفع!
ومع أنّ بيان الهيئة التأسيسية لـ”التيار” ذهب أبعد من ذلك، بتأكيده رفض إقحام لبنان في سياسة المحاور والتزامه محور لبنان دون غيره، فإنّ لخصومه وجهة نظر أخرى، قوامها أنّ “الرمادية” لا تنفع في هذه الحالة، والمطلوب موقف واضح ومسؤول، فإما “يصادق” على كلام البطريرك وصرخاته، وإما يحجز موقعه في المعسكر المناهض.
وإذ يذكّر هؤلاء بأنّ “التيار” كان صاحب نظرية أنّ “الرمادية كذبة كبيرة”، يوم كان يهاجم الرئيس السابق ميشال سليمان ليلاً نهارًا، من دون أن يكترث بـ”رمزية” الرئاسة التي يتهم اليوم كل منتقديه بالمسّ بها، يشيرون إلى أنّ “التيار” هو الذي يضرب “هيبة” الرئاسة ويعرّضها للخطر اليوم، بعدم اصطفافه بوضوح خلف البطريرك الماروني وطروحاته المبدئيّة.
ويشدّد هؤلاء على أنّ المشكلة الكبرى في “مقاربة” قيادة “التيار” للأمر برمّته، تبقى في الإيحاء بأنها من تحتاج إلى “حزب الله”، وتخاف من أن تزعجه مواقفه هنا أو هناك، في حين أنّ العكس هو الصحيح، باعتبار أنّ “الحزب” هو الذي يحتاج إلى “غطاء” مسيحي، توفّره له “المظلة العونية”، التي ذهب البعض لـ”الاستقواء” بها في وجه “المحايدين المنتفضين” في بكركي.
لـ”التيار” اعتباراته وحساباته إذاً التي تدفعه للوقوف في “منطقة رمادية” بين حليفه “حزب الله”، وبكركي وما تمثّله من رمزيّة وحيثيّة كبيرتين. لكن، ثمّة من يلوم “التيار” على أنه، قبل هذه الاعتبارات، لم يقدّم لبكركي ما تنتظره منه، فتارةً يعطّل مبادرة البطريرك الماروني، وطورًا يقفز فوقه، وفي الحالتين، “ينتظر” من الأخير “دعمًا مطلَقًا”، ومن دون أيّ نقاش!