منذ ان انتشر خبر تلقيح النواب في المجلس النيابي، وتلقي عدد من المستشارين الرئاسي اللقاح في قصر بعبدا، اصيب العديد من المسؤولين المعنيين بحرج، خصوصاً بعد تدخل البنك الدولي صاحب الاموال المرصودة لشراء اللقاح. اعطيت تبريرات كثيرة لم تكن مقنعة، وتبريرات اكثر اتسمت بصيغة “التلطي وراء الاصبع” فيما الواقع الذي لا مفرّ منه هو انه حصل انحراف عن مسار الخطة الموضوعة والتي اتسمت مبدئياً بالانصاف والعدالة والموضوعية. عند هذا الحد، بقي وزير الصحة حمد حسن بعيداً عن الكلام، وقرر الاستمرار بعمله كالمعتاد دون الدخول في “معركة خاسرة”، ولكن من الممكن ان يكون قد تعرض لضغوط معيّنة او شعر بضرورة تجنيب مسار الانتقادات عن النواب، فحمل درعه رقيق واعطى توضيحه مبرراً سبب التلقيح في المجلس النيابي، ويا ليته لم يتكلم.
استفزت الذريعة التي اعطاها الوزير جميع اللبنانيين، خصوصاً عند قوله انه قرر ان “تتوجه الفرق الطبية الى مجلس النواب من اجل اجراء عملية التلقيح للنواب تقديراً لجهودهم، لان المجلس النيابي اجتمع خلال 7 ايام بشكل متتال، واقر قانون الاستخدام الطارئ للقاح”. قد يكون قد صوّر البعض لوزير الصحة ان كلامه هذا هو شجاعة ونبل منه، ولكنه في الحقيقة ادانة له بكل المعايير. لان المجلس النيابي الذي يتحدث عنه، والذي كال له المديح والتقدير على عمل هو من صلب مسؤولياته ومهامه وواجباته، هو نفسه المجلس الذي يشتكي منه المواطنون، والمجلس الذي يتعرض للانتقاد من قبل النواب انفسهم، فهل اختلطت الامور فعلاً على الوزير الى حد انه قد يكون اخطأ ربما بالنواب المعنيين؟
لا يصح ان يعطى مجلس النواب التقدير على امور لا يقوم بها، ولماذا لا يعطى المواطنون التقدير على قيامهم بواجباتهم فيدفعون الضرائب رغم كل الاحوال والازمات العاصفة بهم، ويتعرضون لاهانة والحجز عندما يتخلفون عن تسديد المستحقات علماً ان اموالهم التي اودعوها بحسن نية محبوسة في دهاليز لا يمكن الوصول اليها الا… الكترونياً. اضافة الى ذلك، لماذا لا يلقي الوزير الضوء على التقصير الفادح للنواب في القيام بمهامهم، واذا سلمنا جدلاً انهم يقومون بدورهم التشريعي، فأين هم من دورهم الرقابي؟
لا يمكن التمنين بالعمل على اقرار تشريعات لازمة لمكافحة وباء عالمي، مع لفت الانتباه الى ان هذا الوباء يطال النواب ايضاً الذين يخافون على انفسهم، وهو حق لهم على غرار باقي المواطنين الخائفين على انفسهم وعلى عائلاتهم، مع تسجيل افضلية كبيرة لصالح النواب تعطيهم الحق الفوري في دخول المستشفيات اياً تكن الظروف، فيما على المواطن ان يضع حياته على طاولة رهان دخول المستشفى او عدمه. ازاء ذلك، تصاعدت لدى الكثيرين الشكوك حول تعرض الوزير لضغوط سياسية دفعته الى تغيير وجهة السهام فتصل اليه، وقد حاول التخفيف من حدة الانتقادات والمآخذ عبر لجوئه الى الشق الديني بقوله انه سيتوجه الى المرجعيات الروحية لاعطائها اللقاح، من خلال العيادات النقالة. فهل يمهد الوزير لفضيحة جديدة عبر اعطاء اللقاح ايضاً الى عدد من معاوني هذه المرجعيات الذين يمكنهم بكل بساطة اتباع النظام المعمول به بالنسبة لكافة المواطنين؟ لا يمكن القبول بالاستثناءات في موضوع حساس وخطير يتعلق بإنقاذ الارواح، فبعد السرقات والهدر والفساد والتعطيل السياسي وتقديم المنافع الشخصية على المنفعة العامة وزج البلد في حروب وصراعات، اصبح المطلوب منا ان نسلم حياتنا الى المسؤولين ليلعبوا دور الله في اختيار من يحق له الحياة ومن يجب عليه الموت.
لم يوفق الوزير حسن في اختيار كلماته ولا محاولة التبرير التي ارتضى ان يغوص فيها للدفاع عن الخطأ الذي حصل باعتراف الجميع بمن فيهم نواب تلقوا اللقاح، ويقيناً لو كنا في بلد آخر، لكانت المحاسبة كبيرة لكل من خالف وتجاوز القانون ودافع عن هذه المخالفة، ولكن المفارقة الكبرى اننا في لبنان بلد “العفو العشوائي”.
المصدر: النشرة – طوني خوري