بإيقاع سريع يتحرّك ملف تفجير مرفأ بيروت. ففي أقلّ من 48 ساعة زلزال قضائي غير مسبوق، محكمة التمييز وتنحية القاضي صوان، مجلس القضاء الأعلى وتعيين الرئيس طارق بيطار محقّقاً عدلياً جديداً في الجريمة، وفتح باب التساؤلات من جديد، وطرح الكثير من علامات الإستفهام. لماذا قَبِلَ بيطارهذه المرّة ما رفضه المرّة الماضية، وإن مواربة؟ وهل من صفقة تحت الطاولة مهّدت لوصوله، فجاء نتيجة توازن القوى العوني – الحريري؟ أم هو ضغط الشارع والخوف من الإنفجار الذي أوصله؟
من الواضح أن مهمة البيطار ستكون أصعب من مهمة صوّان، بين ضغط الشارع من جهة، وتدخل السياسة من جهة ثانية، والأهم موقف “حزب الله”.
أمور عدة كفيلة بتطيير رأسه ما لم يكن قد “تعلّم الدَرس”، إذ لم يعد هناك من شك حول مدى قدرة المنظومة الحاكمة والمتحكّمة على التأثير في القضاء، وحتى التلاعب به، سواء عبر المحسوبيات أو عبر الترغيب والتهديد.
منظومة نجحت في تحقيق أهدافها وتمكّنت من وقف التحقيقات، ولو مؤقتاً، والذي كان سيقود، ولو بعد حين، إلى تركيب الرواية الكاملة لـ “انفجار العصر”، من لحظة غنطلاق باخرة الموت المحمّلة بالنيترات إلى بيروت، وتحديد أصحابها (وقد أفيد في الأيام الماضية أنهم مقرّبون من النظام السوري)، مروراً بإنزالها في مرفأ العاصمة، وكشف الجهات التي استخدمت الأمونيوم الذي كان مخزّناً فيه، وصولاً إلى محاسبة كلّ من عرف بوجود متفجّرات في قلب العاصمة من دون أن يتحرّك.
ورغم كمّ الأسباب التي تقف خلف قرار تنحية القاضي فادي صوّان، والتي ليست سوى رأس جبل الجليد، فإن المَخفي منه هو الأساس، والذي يتمثل بالصراع الأمني – الأمني الذي يخفي خلفه حرباً سياسية ضروساً.
أصبحت الحقيقة واجبة، وأيضاً تسمية الأمور بأسمائها، إذ ثمة من يعتقد أن ما أوصل الأمور إلى هذه الدرجة، هو تبنّي القاضي صوّان تقرير شعبة المعلومات، المطلوب “رأسها” من أكثر من جهة سياسية، وهنا، تقول مصادر مطّلعة، أن الحرب بالواسطة بين “المعلومات” و”أمن الدولة”، ومن يقف خلفهما من مراجع سياسية تسعى لتصفية حساباتها، دَفَنَت التحقيق.
فالمواجهة الأمنية القضائية انتهت لصالح الفريق الأول، الذي أجاد اللعبة جيداً منذ اللحظة الأولى، مع شبك حبكة “مبكّلة” حول الأسباب والوقائع، مروراً بإغراق الساحة بعشرات الوثائق المضلّلة، قبل أن تعيد وسائل الإعلام تصويب المسار عبر صحافتها الإستقصائية، مقدمة سيناريوهات مُدعّمة بالوثائق، ما دفع بالمحقّق العدلي إلى الأخذ بها.
تنبّهت قيادة الجيش لهذه الصراعات والتشابكات، وسارعت إلى تأمين الحماية اللازمة للقاضي صوّان ومقرّ إقامته، وكذلك تنقّلاته، واضعةً كل إمكاناتها بتصرّف التحقيق، حيث تبلّغ الرئيس صوّان رسالة واضحة من قائد الجيش العماد جوزاف عون، بوضع نفسه وأي ضابط في الجيش بتصرّف التحقيق إنطلاقاً من أن المؤسّسة العسكرية وعسكرييها هم تحت القانون وخاضعون لأحكامه، خلافاً لكل الحملات التي قامت ومحاولات التشويش، عبر حرف المعركة عن مسارها، وصولاً إلى ضرب المحقّق العدلي بالجيش، ربما بهدف كشفه أمنياً، تمهيداً لتصفيته جسدياً بعدما مسّ بالمحرّمات المعروفة والمجهولة.
قواعد ستسري بالتاكيد على القاضي البيطار.
وهنا لا يحتاج المراقب إلى كثير من الملاحظة ليكتشف أن القاضي صوّان كان مُهدّداً من قبل جهات معيّنة، بالتأكيد ليست “العدو الصهيوني”، ولا من أهالي ضحايا انفجار المرفأ، رغم أن ثمة من أراد إظهارهم بهذه الخانة من خلال التركيز على اعتصاماتهم وتظاهراتهم أمام منزله في الأشرفية حيث لعبت القوى الأمنية دور “الحامي”.
إنها المافيا السياسية – الأمنية – القضائية نفسها الحاكمة للمرفأ، من أطاحت بالتحقيق، وإن تغيّر بعض وجوهها.
فهل تم عزل صوّان لأنه وصل إلى بيت قصيد التحقيق، وأدخل يده في “وِكر الدبابير”؟
المعروف وفقاً لأوساط قضائية، أن مباشرة المحقّق العدلي لتحقيقاته بعد مرحلة الإعتكاف، جاءت قوية بعدما اعتمد استراتيجية “الضربات السريعة والمفاجئة”، وفتح أكثر من جبهة في الوقت نفسه واضعاً يده على الجرح، ما استدعى تحرّكاً سريعاً “لشطبه” من المعادلة بتدبير قضائي؟
فهل يجرؤ القاضي البيطار على إطلاع اللبنانيين عموماً، والضحايا وأهلهم خصوصاً، على ما توصّلت إليه التحقيقات حتى الساعة؟ أم أننا أمام تكرار لسيناريو” ميليس” براميرتس”؟
“ميّة مرّة جبان ولا مرّة ألله يرحمه”، قد يكون من حق الريّس فادي أن يخاف على حياته…. وكذلك للمحقّق العدلي الجديد… ولكن” إمش على ما يقدّر الله والكاتبو ربّك يصير”…. فهل “يَطرُقُهم” طارق؟
المصدر: ليبانون ديبايت