“متّجه إلى فرنسا، عسى أن أوفّق في بضع ساعات تدريس في جامعاتها، وإلّا سيكون اسمي من ضمن العائلات الأكثر فقرًا في لبنان!!”، هذه العبارة وردت من ضمن دردشة مع أكاديمي يدرّس في إحدى الجامعات في لبنان. قد يرى البعض في كلامه مبالغة في مكان ما، خصوصًا أنّ الغالبية العظمى من الشعب اللبناني ترزح تحت خطّ الفقر ولا تجد عملًا يقيها العوز، ولكن لا يمكن إغفال ثقل الأزمة على شريحة تصنّف في علم الاجتماع بالنخبة، كانت بالأمس القريب تعدّ طبقة وسطى في البلد، لديها قدرة شرائية مرتفعة، بحكم الوظائف التي تشغلها وتوظّف إمكاناتها العلميّة من خلالها، هذه الفئة خسرت بفترة قياسيّة مستوى المعيشة المعهود، بفعل الأزمة الإقتصادية وتدهور قيمة الليرة إلى مستويات غير مسبوقة، بعضها حزم حقائبه وهاجر إلى بلد آخر، خصوصًا حاملي الجنسيات الأجنبية، من بين هؤلاء أطباء تركوا مرضاهم وعياداتهم، وانتقلوا للعمل خارج لبنان.
هجرة الأدمغة من لبنان ارتفعت في الآونة الأخيرة، بظل الواقع السياسي الذي يولّد أزمات متتالية، بحيث يبحث اللبنانيون عن فرص عمل أفضل خارج بلدهم وعن استقرار اجتماعي مفقود. لا توجد أرقام دقيقة بشأن عدد المهاجرين من تلك الفئات، سواء الأطباء أو الأكاديميين أو العاملين في قطاعات أخرى، بحسب ما أكّد الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ “لبنان 24″. يتمّ الحديث عن هجرة عدد من الأطباء يتراوح بين 400 و600 طبيب، لا إمكانية للتأكد من الرقم، بظل عدم قدرة نقابة الأطباء على إحصاء الأطباء المغادرين إلى دول لا تطلب معادلات أو امتحانات قبول، كالدول الخليجية ودول أوروبا الشرقيّة.
شمس الدين يعتبر أنّ هناك مبالغة في الرقم، خصوصًا أنّ دخل الطبيب في لبنان أكبر من دخل الطبيب في بلدان أخرى، بحيث يوجد هناك تعرفة وضرائب باهضة يدفعها الطبيب، كما أنّ إنتقال الأطباء للعمل في مستشفيات في الخارج ليس بهذه السهولة، على عكس العاملين في القطاع التمريضي بظلّ الحاجة المتزايدة إلى ممرضات وممرضين لا سيّما في الدول الأوروبيّة”.
عدد المنتسبين إلى نقابة الأطباء في بيروت يقدّر بحوالي 12 ألفاً و500 طبيب، فضلًا عن ألفين و500 طبيب في الشمال، بنظر شمس الدين لن يكون هناك مشكلة أو نقص في الأطباء في لبنان خصوصًا أنّ هناك فائض في العدد.
ماذا بشأن هجرة اللبنانيين ككل، هل ارتفعت الأعداد بظل تسارع وتيرة الإزمة المالية؟
المعادلة بين الرغبة في الهجرة والقدرة على ذلك تفرض نفسها هنا، وهو ما يبرر تناقص العدد، بحيث يشير شمس الدين إلى هجرة 33000 في العام 2018، العدد تضاعف في العام 2019 وبلغ 66000، بينما انخفض في العام 2020 إلى 17721 مهاجرًا. “انخفاض العدد عائد لأمرين الأول انهيار الليرة، بحيث كان اللبناني يستحصل على تأشيرة سياحة أو عمل، أمّا اليوم فتعذّر ذلك بسبب شح الدولار، والأمر الثاني عائد للإقفال الذي فرضته جائحة كورونا في معظم دول العالم، بحيث أُقفلت الحدود وتقلّصت فرص العمل، في حين كانت التوقعات تشير إلى 100 ألف مهاجر لبناني”.
سيكون لبنان أمام موجة جديدة من هجرة أبنائه بعد أن تتمكّن دول العالم من الإنتصار على كوفيد -19، ومعاودة الحياة الطبيعية، في هذا الإطار يقول شمس الدين “إذا رفعت الدول قيود الإقفال في حزيران المقبل، واسترجعت الليرة اللبنانية بعض قيمتها سنشهد موجات هجرة واسعة، بحيث نتوقع أعدادًا هائلة من المهاجرين تناهز عشرات الآلاف”.
كل من استطاع إلى الهجرة سبيلًا سيفعل، فأيّ شعب ستحكمون أيّها القادة والرؤساء؟
المصدر: لبنان 24