من اجل تضييع الوقت وتمريره، تتلهى القوى السياسية في لبنان بنقاشات سطحية هامشية عن شكل الحكومة وسبب تعطيل تأليفها، فيحمل هذا الطرف المسؤولية للاخر والعكس صحيح، وتتكاثر المبادرات الشكلية، علما ان التعقيدات هذه المرة هائلة ومتشعبة وتطال عمق النظام السياسي والتوازن الاقليمي.
العقدة الأولى ترتبط بعدم وجود حماس خليجي عموما وسعودي خصوصاً لتشكيل الحكومة اللبنانية ضمن التوازنات الحالية، بمعنى اخر، صحيح ان الرياض لا ترغب بالتدخل كثيرا في الملف اللبناني لكنها واقعا ليست مستعدة لاعطاء الغطاء للرئيس سعد الحريري لترؤس حكومة يشكل فيها “حزب الله” وحلفاؤه اكثر من ثلثي اعضائها، وكذلك فهي لا تجد نفسها اصلا معنية بالموافقة على مشاركة الحزب في التشكيلة اللحمومية .
هكذا يصبح الرئيس سعد الحريري بدوره غير مستعد للخوض في تجربة من دون غطاء سعودي واضح، يترجم في السياسة وفي المساعدات المالية التي تضمن نجاح حكومته قبل الانتخابات.
العقدة الثانية، تتمثل بتراجع الحماسة الايرانية للدور الفرنسي عموما، ففي حين كانت طهران في ظل عهد الرئيس دونالد ترامب تراعي باريس وتحاول التنسيق معها لاسباب كثيرة، ما ساهم في اعطائها دفعا لانجاح تسوية في لبنان بعيدا عن صراعات المنطقة وتعقيداتها ، الا ان ايران اليوم امام ادارة اميركية مستعجلة للتسوية وبالتالي لم يعد للدور الفرنسي اي حاجة في الملف النووي والعقوبات.
وهذا الامر سينعكس حكما على لبنان، اذ ان طهران ليست مستعدة لفتح الساحة اللبنانية امام الدور الفرنسي،بغض النظر عمن هو المفاوض الاول في لبنان. وحتى لو كان “حزب الله” هو هذا المفاوض الاول، فقد تراجع مستوى مصلحته بدعم النفوذ الفرنسي في لبنان الى حده الادنى لصالح ادوار اخرى، روسية – تركية مثلا.
العقدة الثالثة هي تعقيد داخلي يقوم على رغبة القوى السياسية اللبنانية التي كانت الراعي الاول لاتفاق الطائف بإستعادة كامل نفوذها الذي تمتعت به في مرحلة ما قبل العام ٢٠٠٥.
بمعنى صريح، شكلت عودة الزعامات المسيحية الى الساحة السياسية في لبنان ضربة جدية لنفوذ القوى السياسية التقليدية في لبنان والتي باتت امام امر واقع ، وهو مشاركة المسيحيين في الدولة والسلطة والمحاصصة، وتكمن ابرز اهم العقد اليوم في رغبة هذه القوى استغلال الضعف الذي يعاني منه “التيار الوطني الحر” ووجود باقي الاحزاب المسيحية في المعارضة من اجل منع تكريس ما تحقق في السنوات الماضية ، والذي يعتبر الرئيس ميشال عون انه حققه للمسيحيين. وهذا المنع يعتبر عون ان من واجبه الوقوف ضده مما يزيد تعقيدات التسوية والمفاوضات الحكومية.
العقدة الرابعة عنوانها الاساسي جبران باسيل، وهذا لا يشمل فقط مطالب باسيل، بل مساعي الرئيس عون لتأمين افضل مستقبل سياسي ممكن له. من هنا الاصرار على الثلث المعطل الذي يمكن “التيار” من المشاركة في الحكم بشكل حاسم في حال حصول فراغ في سدة الرئاسة بعد انتهاء ولاية عون، ومن هنا ايضا الاصرار على الداخلية والعدل لارتباطهما بالانتخابات النيابية التي ستشكل منعطفا اساسيا في حياة باسيل السياسية.
يبدو ان الضعف الذي تعاني منه الحالة العونية يحتم على عون الاحتفاظ بأوراق قوة للمرحلة المقبلة، لذلك يصعب عليه التراجع عن مطالب يراها مرتبطة بالوجود السياسي له ولخليفته.
العقدة الخامسة هي عدم استعجال قوى سياسية اساسية للتشكيل، على رأسها “حزب الله”، فالحزب ليس معرقلا بالمعنى المباشر للكلمة لكنه ليس مستعجلا لاي عملية تأليف، ولن يقوم بضغوط فعلية لتشكيل سريع للحكومة، لانه في مكان ما، وبالرغم من الاضرار التي ستحصل، يرى ان مصلحته الاستراتيجية قد تتحقق في حال الذهاب الى مزيد من المماطلة.وهذه المصلحة يراها في شقين :اولاً لاعتباره ان واشنطن الخائفة من الانهيار في لبنان وافادة حزب الله منه، ستكون اكثر استعدادا لتقديم التنازلات مع استمرار المخاطر وازديادها ، وثانيا لان الدول الاوروبية ستكون راغبة في زيادة سخائها للانقاذ. والاهم ان الانهيار الكامل، الذي لن يؤثر الا بقدر محدود على بيئة الحزب قد يكون مدخلا كبيرا وجديا للمؤتمر التأسيسي ولتبديل النظام في لبنان.
التعقيد السادس هو رغبة كامنة عند الرئيس سعد الحريري في تجاوز اتفاق الدوحة، وتحديدا مسألة الحكومات الائتلافية التوافقية التي تشكل برضى كل القوى السياسية، الامر الذي سيحسن وضعيته السنية وقدرته السياسية كرئيس حكومة لأنه سيكون قد تخطى مفاعيل احداث ٧ ايار.
التعقيد السابع يرتبط بإختلال موازين القوى الذي حدث بعد انتخابات ٢٠١٨ وتأثيره المباشر على وضعية الحزب التقدمي الاشتراكي، اذ ان رئيسه وليد جنبلاط يحاول التعويض عن خسارته صفة بيضة القبان القادر على التأثير السياسي البالغ، بالحصول على سلاح الميثاقية في الحكومات، اي ان تكون له الحصة الدرزية كاملة من دون اي مشاركة ما يمكنه من التأثير الكامل والحصول على حق الفيتو، وهذا ما لا يبدو ان عون يقبل النفاش فيه.
كل هذه التعقيدات وغيرها تلعب دورا جديا في منع عملية التشكيل وتأخيرها، اما حصر الامر بخلاف على حقيبة من هنا ووزير من هناك ففيه الكثير من التبسيط الذي لم يعد ممكنا تسويقه.
ألمصدر : لبنان 24