اللقاح “فايزر” الآتي من الولايات المتحدة الأميركية في زمن الجدل العقيم ما بين التوجه شرقا أو غربا، اختارته وزارة الصحة العامة، نظرا إلى كونه من أول اللقاحات المتوافرة عالميا، بالاضافة الى معايير الجودة المتوافرة فيه والتي نوهت بها منظمة الصحة العالمية.
وسط هذا الانشغال والترقب والتردد، لم تتردد الجهات المعنية في اعتماد “بروباغندا” دعائية منذ لحظة الوصول، مرورا بتلقيح الفكاهي “أبوسليم الطبل”، فصورة الوحدة الاسلامية المسيحية في اللقاح، وصولا الى الانطلاقات المناطقية لعملية التلقيح.
بعيدا عن هذا الصخب، هل “فايزر” هو الافضل؟ وهل المخاوف عند المواطن اللبناني مبررة؟
الفايزر افضل الموجود
يوضح رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثومية في الجامعة الأميركية والإختصاصي في طب الأطفال البروفسور غسان دبيبو ان اللقاح الذي نطلق عليه تسمية “فايزر” هو بالاساس من تصنيع شركة “بيوانتكت” الألمانية، التي تعود ملكيتها الى باحثين من أصول تركية، لكن لصغر حجم وامكانات الشركة، تم التصنيع والتوزيع عبر “فايزر” وذلك ابتداء من نيسان 2020.
هذه الشركة تعمل على هذا النوع من اللقاحات (RNA) منذ فترة طويلة، أكثر من 12 سنة، من هنا لا يمكن الحديث عن تسرع في اصدارهذا اللقاح.
لكن يمكن الحديث عن تغيير وجهة استعمال اللقاح، اذ ان الهدف من تطويره كان لمحاربة مجموعة من الامراض السرطانية، فتحول الى المدافع الأول في وجه جائحة العصر كورونا.
تقنيا، لقاح فايزر هو عبارة عن شيفرة (RNA)،اي جزء معدل من الفيروس ( يتم تعديله حتى يتحلى بعنصرالأمان)، عبره يقوم الجسم بتصنيع “البروتيين الشوكي” وهو البروتيين المفتاح الذي يستخدمه كورونا لاقتحام الخلايا.
بالتالي يهدف اللقاح الى تصنيع “البروتيين الشوكي” في خلايا المتلقح، ليهاجمه جهاز المناعة، مما يؤدي الى تحلل ال RNA والبروتين الناتج عن اللقاح فيقوم جهاز المناعة بتحفيظ هذه العملية في ذاكرته، مما يجعل متلقي اللقاح قادرا على مواجهة فيروس كورونا، و هذه هي الطريقة التقليدية المتبعة في مختلف اللقاحات التي عرفناها عبر التاريخ.
ما يميز “فايزر” في هذا الصدد هو استخدامه للجزئيات من الفيروس وليس كل الفيروس ما يجعل نسبة أمانه مرتفعة لاسيما اننا لا نعرف كل المعطيات عن Covid_19.
وعملية التلقيح عبر “فايزر” تتم على مرحلتين تفصل بينهما 3 أسابيع، وذلك حتى يتمكن المتلقح من أخذ الكمية اللازمة بصورة آمنة وفعاّلة.
الجسم الطبي المتطوع
على صعيد البروتوكل والأداء اللوجستي في لبنان، يعتبر دبيبو انه من المبكر جدا الحكم على عملية التلقيح، اذ انها تخضع لعدة عوامل منها خارجية متمثلة ببعض المشاكل التي قد تطرأ على صعيد تصنيع وتوزيع اللقاح، والتجارب تؤكد امكانية حدوثها، ومنها داخلية، و للأسف في لبنان قد تلعب عدة عوامل، كالوضع السياسي والمالي، دورا سلبيا في هذا المجال .
اليوم نقوم باعتماد مستشفى رفيق الحريري مركزا وحيدا لتخزين اللقاح ومنه يتم التوزيع على بقية المراكز.
وفي الصورة التي شهدناها خلال اليومين الأخيرين يمكن التأكيد ان الكادر الطبي والتمريضي في لبنان يتمتع بجهوزية متقدمة جدا، وهنا لا بد من الاشارة الى ان معظم الممرضات والممرضين عملوا بصفة متطوعين يومي السبت والأحد لتفادي اي مشكلة في اطلاق عملية التلقيح.
لا معلومات واضحة حول اللقاح الصيني
و يضيف دبيبو: أما الذين اصيبوا بفيروس “كورونا” فهم علميا ليسوا بحاجة لأخد اللقاح الا بعد 6 أشهر او أكثر من اصابتهم ( ليست هناك توجيهات عالمية واضحة بهذا الخصوص حتى يومنا هذا) .
و هنا لا بد من الاشارة الى جانب أخلاقي مهم، اذ ان أقدام المصاب السابق على تلقي اللقاح فهو يكون قد انتزع الفرصة من أمام غير المصابين باكتساب المناعة.
بالنسبة الى اللقاحات الأخرى التي قد تتوافر في لبنان في المستقبل القريب، يمكن التأكيد ان لقاح “استرازنكا” الذي يتميز بدرجة حفظ مريحة للعمل واللقاح “الروسي”، يتميزان بنسبة فعالية وأمان متقدمة، لكن وحتى اليوم من غير المسموح بيعهما خارج دولة المنشأ.
أما في ما يخص اللقاح الصيني فلا معلومات واضحة حول فعاليته وامانه، كما العوارض الممكنة بعد أخذه، فكثير من الغموض يخيّم حول هذا اللقاح، مما قد يجعل استيراده غير محبب.
أكثر من 200 مليون متلقح حول العالم و لا اضرار تذكر
وفي ما يخص النتائج السلبية التي قد تترتب عن اللقاح، أشار دبيبو الى انه على ما يبدو هناك عمل منظم في وسائل الاعلام التقليدية والحديثة لنشر الشائعات حول اللقاحات، وهذا ما يؤثر بشكل أكيد ومباشر على شريحة كبيرة من اللبنانيين، الذين قد يمتنعون عن اخذ اللقاح.
والحقيقة ان أكثر من 200 مليون شخص حول العالم أخذوا اللقاح، ولم يتم رصد اية عوارض جانبية خارج المألوف والمتوقع، لا بل على العكس، فالدول التي تقدمت في عملية التلقيح تحصد اليوم انخفاضا ملحوظا في عدد الاصابات والوفيات، كما هبوطا بمعدل الدخول الى المستشفيات وغرف العناية المشددة.
هناك ما يعرف بحساسية ” انافيلاكسس” وهي لا بد من ان تكون معروفة عند حامليها، الذين قد يشكل اللقاح خطرا عليهم، ولكن ذلك يمكن استدراكه بحال وجودهم في مركز التلقيح عند بداية العوارض.
من هنا يطلب من المرضى الذين لديهم مشاكل حساسية ولا يعرفون ما هي بالتحديد، البقاء لمدة 30 دقيقة في مركز التلقيح، أما الذين لا يعانون من أية حساسية، فيغادرونه بعد 15 دقيقة.
كما يمكن للمتلقح ان يتابع حياته بصورة طبيعية على صعيد السلوك، النشاط، كما الطعام، مع احتمال وارد في ان يعاني من ارتفاع في درجات الحرارة فيلجأ حينها الى المسكنات ومخفضات الحرارة المعروفة.
أخيرا أشار دبيبو الى ان واقع كورونا في لبنان اليوم أفضل من الايام التي سبقت. فالاصابات انخفضت ومعها انخفض الضغط على المستشفيات، لكن المعاناة مع هذا الفيروس لن تنتهي قبل سنتين على الاقل.