وبحسب ما كتبت الدهيبي، فإنّ الأزمة الاقتصادية المصرفية عادت شكلياً بنتائج عكسية على مستوى انتعاش القطاع العقاري، لكن بعض الخبراء وجدوا فيه انتعاشا وهميا ومؤقتا يمهد لنكبة القطاع، وتوقع كثيرون أن تظهر ارتداداته العكسية بين عامي 2021 و2022، وأن يبدأ تراجع الاستثمار العقاري هذا العام نتيجة تشبع القطاع.
وما حصل في 2020 كان نتيجة متوقعة لأزمة المصارف التي دفعت زبائنها لتحويل ودائعهم المحتجزة إلى وحدات عقارية، فاستفاد المطورون العقاريون من الأزمة، فيما رفعت الشيكات المصرفية سعر العقار نظريا، لكنها خفضته عبر الدفع بالدولار النقدي، وفقاً لما جاء في تقرير الدهيبي.
أمين سر جمعية المطورين العقاريين، مسعد فارس، شرح أنّه “في منتصف 2019 بدأ السوق العقاري يتحرك نسبيا بعد تباطؤ كبير استمر من 2011 حتى أوائل 2019، ليشهد زخم حركته في 2020 حين بدأت تتوالى قرارات المصارف بشأن فرض قيود مشددة على حركة أموال مودعيها بالعملات الصعبة، فتوجهوا تلقائيا إلى السوق العقاري، وصار كل واحد يشتري حسب حجم وديعته”.
وهكذا، لعبت المصارف دور الوسيط بين المودعين والمطورين العقاريين، واستفادت من الأزمة عبر تخفيض نحو 15 مليار دولار من الديون العقارية المترتبة عليها، وفق فارس.
وقال إن “أموال القطاع العقاري في أواخر 2019 كانت تشكل بالمصارف نحو 21 مليار دولار، ومن أصلها نحو 11 مليارا للمطورين العقاريين، و9 مليارات دولار لعامة الشعب، بين قروض سكنية وفردية من المصارف التجارية أو مؤسسة الإسكان، أما الآن فتراجعت أموال هذا القطاع بالمصارف لنحو 6 أو 7 مليارات دولار”.
وبين أواخر 2019 و2020 كان المخزون الموجود في السوق العقاري يتراوح بين 50 و60 ألف وحدة سكنية لم يبق منها إلا نحو 7 آلاف وحدة، بحسب فارس.
ولفت فارس إلى أن معظم الوحدات المستعملة جرى بيعها، ولا يستبعد وجود عقود بيع قديمة غير مسجلة وجرى دفع رسومها في 2020، إذ جرى أيضا تسجيل نحو 10 آلاف شقة رسميا.
ومن خلال مراقبته للسوق لاحظ فارس أن كبار المستثمرين اشتروا أراضٍ أو مكاتب، لأن الجميع سعى للاستفادة من عروض المطورين خلال الأزمة، ووصلت بعض الحسومات إلى 40%، خصوصا أن المطورين كانوا يستعجلون البيع لتسديد ديونهم المصرفية.
ومع نهاية 2020 وبداية 2021 لم يدم هذا الوضع بعد أن رأى المطورون أن الإقبال على شراء العقارات ما زال كبيرا، فبدأوا يخفضون حسوماتهم، لا بل رفع بعضهم أسعار العقارات بنسبة 30% في حال كانت عملية الشراء عبر شيك مصرفي بسبب العجز عن التصرف به.
من جهته، يرى نسيب غبريل الخبير المالي رئيس قسم البحث والتحليل الاقتصادي في مجموعة بنك “بيبلوس” أن المصارف كانت شاهدة خلال 2020 على نوع من الهجوم على القطاع العقاري، للاعتقاد بأن العقارات هي استثمار آمن للحفاظ على قيمة الأموال، مما أدى لارتفاع مصطنع بالأسعار.
ويشير جبريل إلى أن مليارات الدولارات خرجت من القطاع المصرفي خلال 2020، معظمهما للاستثمار بالعقارات، وكان التوجه لشراء الأراضي والشقق أكثر من المحلات التجارية بسبب صعوبة إطلاق المشاريع الاقتصادية.
وقال إن هذا الوضع أدى لنوع من “إدارة المخاطر”، فأولا: استفاد المودع من تحرير أمواله، وثانيا: استفاد المطور من تصريف مخزونه، أما ثالثا فقد حصلت المصارف نسبة كبيرة من قيمة قروضها.
ويكشف الخبير بعض الأرقام المصرفية، إذ في عام 2020 بلغ عدد المعاملات العقارية 82 ألفا و202 عملية مسجلة لدى الدوائر العقارية، وهو ارتفاع بنسبة 63% عن 50 ألفا و352 معاملة عقارية مسجلة في 2019.
نكبة السوق العقاري
يبدو أن حركة السوق العقاري ستعود للتباطؤ بدءا من 2021، ولا سيما أنه سيواجه تداعيات الأزمة الفعلية، في ظل عدم وجود قروض مصرفية جديدة من جهة، وتسعير تكلفة مواد البناء المستوردة بالدولار من جهة أخرى، كما تحدثت بعض التقارير عن انخفاض إجمالي مساحة تصاريح البناء الجديدة إلى نحو 61% في 2020.
يؤكد ذلك نقيب المهندسين في بيروت جاد تابت الذي قال إن تراجع مجموع تراخيص البناء بدأ تدريجيا، ليسجل رقما غير مسبوق في 2020، إذ شملت التراخيص نحو 4 آلاف متر مربع فقط، فيما في 2017 كانت تبلغ نحو 11 ألف متر مربع.
من جهته، يستبعد نسيب غبريل استمرار الطفرة العقارية، لأن المطورين العقاريين سددوا ديونهم، ومن لديه وحدات سكنية فارغة لن يبيعها مقابل شيك، وإنما سيطالب بالدولار النقدي.
ويرجح فارس أن تصبح العلاقة بين البائع والمشتري في السوق العقاري معقدة على الشكل الآتي: المطور غير المديون لا يستعجل البيع بسعر منخفض، والمشتري لن يدفع سعرا مرتفعا خلال الأزمة الراهنة.
ويتوقع فارس أن يستمر التباطؤ حتى أوائل 2022، وحينها يمكن أن تتراجع أسعار العقارات، وأن يصبح صغار المستثمرين مرنين بالبيع نتيجة حاجتهم للمال في ظل شح المداخيل بلبنان، وقد يطال الأمر انخفاض أسعار الوحدات الصغيرة من دون أن نشهد انهيارا كاملا بالأسعار.