خسر الرجل الكثير من علاقاته ومقومات حضوره السياسي. كل رهانه على تقارب أميركي إيراني يعيد إنعاشه سياسياً لا يبدو أنه سيكون ناجحاً. باستقالة طوني حداد، الرجل القوي في أميركا، خسر باسيل الكثير. كذلك ابتعد عنه كثر من المؤثرين في واشنطن، بينما لا يبدو السفير اللبناني هناك فاعلاً كما يجب. بدأت خسارة باسيل الأميركية، مع خسارة إليوت انغل موقعه كرئيس للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس.
البضاعة الكاسدة وورقة الحكومة
يعرض باسيل التمايز والتباعد عن حزب الله، كما يعرض حلّ ملف ترسيم الحدود، وتقديم أي موقف آخر من شأنه إرضاء الأميركيين. لكنه لم يلق أي جواب. الإدارة الأميركية غير مهتمة بلبنان على الإطلاق حالياً. حتى البديل عن ديفيد شينكر في ملف ترسيم الحدود لم يتم تعيينه بعد. يعرض باسيل حتى الآن بضاعة كاسدة، خصوصاً أن فرصة رفع اسمه عن لائحة العقوبات صعبة جداً، لأن ما جرى معه لم يكن صادراً عن مرسوم رئاسي، إنما بناء على قانون ماغنيتسكي المُقَرّ في الكونغرس. ما يعني أن وضعه يختلف عن وضع شخصيات سابقة تعرضت لعقوبات أميركية بناء على مرسوم جمهوري أميركي، عملت على دفع غرامات مالية، لإزالة العقوبات عنها.
وضع باسيل هذا، يجعله يستأثر بملف تشكيل الحكومة، لأنها الورقة الأخيرة القادر على الإمساك والتحكم بها، لإعادة تعويم نفسه سياسياً. لكن موقفه هذا ينطوي على خلافات متعددة مع حزب الله، تجعله يذكر في كل مناسبة بضرورة إعادة صياغة “وثيقة التفاهم” مجدداً. بهذا الطرح، يريد ابتزاز الحزب، وتقديم مواقف قد ترضي الأميركيين. لكنه حتى الآن خاسر على الجهتين. حتى الموقف من تشكيل الحكومة لم يعد حزب الله في وضعية توفير الغطاء الداعم لباسيل، لا في الثلث المعطل ولا في غيره. حزب الله يركز على منع حصول أي فتنة سنية شيعية. والانحياز إلى باسيل في مواجهة الحريري، سيعيد إذكاء نار الفتنة المذهبية التي يتجنبها حزب الله في هذه المرحلة.
خسارة الجميع
ولذا، هناك الآن سؤال أساسي يُطرح: هل من إمكانية لفصل العلاقة بين باسيل والحزب؟ الجواب السريع والبديهي، هو أن ذلك لا يبدو ممكناً. لا، بل مستحيل. خصوصاً ان الحزب يريد الاستمرار بالتمتع بهذا الغطاء المسيحي، ومع الاحتفاظ بغطاء سنّي أيضاً. بممارسته قطع باسيل الطريق على نفسه مع كل القوى، وخصوصاً مع الفرنسيين، بعد إجهاض مبادرتهم. حتى روسيا التي كان باسيل يراهن على التحالف المشرقي معها، لم تعد مؤيدة له.
تعود علاقته القوية مع موسكو إلى الحقبة التي كان فيها وزيراً للطاقة. حينها زار العاصمة الروسية والتقى المسؤولين فيها، ووعدهم بتوقيع الكثير من عقود التنقيب عن النفط والغاز والدخول في معاهدات عسكرية، ليكتشف الروس فيما بعد أنه كان يتفاوض مع آموس هوكشتين. وهو المسؤول الأميركي الذي عُين بعد فريدريك هوف كمفوض في إدارة ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل. واكتشف الروس أن باسيل يقدم الإلتزام تلو الآخر لهوكشتين، فاعتبروا أنه يحاول اللعب على أكثر من حبل ويسير بين متناقضات. بل لم يجر أي اتفاق حقيقي مع الروس. وكان يقول لهوكشتين أن لا يراهن على الرئيس نبيه برّي ودوره في المفاوضات حول ترسيم الحدود، معتبراً أنه بحال جاء عون رئيساً للجمهورية، سيكون قادراً على فعل ما يريده بالتعاون مع رئيس الوزراء الذي نأتي به. بهذه السياسة خسر باسيل الروس والأميركيين، خسر العرب والغرب، والداخل والخارج. لم يبق لديه ما يبيعه، يشتري فقط تعطيل تشكيل الحكومة، مستفيداً من توقيع رئيس الجمهورية، ليشعر بوجوده وحضوره.
المصدر: المدن – منير الربيع