في تصنيف الأزمات، لا يختلف اثنان على أنّ الأزمة المالية والإقتصادية الراهنة تحتل قائمة أسوأ أزمات لبنان، في ظلّ سلطة سياسيّة غير حكيمة، ومصرفيّة مماثلة، أوصلتا البلد، إلى سيناريو جهنّمي لم يكن واردًا في أشدّ الكوابيس رعبًا.
لن نعيد تعداد عناصر الكارثة، من الليرة المتهاوية إلى مستويات التضخّم التاريخية واتساع معدّلات الفقر وتبّخر ودائع اللبنانيين، وغيرها من المؤشّرات التي تزلزل كياننا في كلّ لحظة، ولكن السؤال الذي نطرحه على ذواتنا المتهالكة: إلى متى؟ كم من الوقت ستستغرق بعد هذه الأزمة اللعينة؟ سنة، سنتان، ثلاثة أم أكثر؟ هل وصلنا إلى قعر الهاوية؟ ومتى سنبدأ رحلة التعافي؟ هل الحل مرهون بالمعادلات الإقتصادية أم السياسية؟
“هي سبع سنوات عِجاف، ولبنان في خضمّها” يجيب الخبير المالي والإقتصادي جهاد الحكيّم في حديث لـ “لبنان 24” بشأن المدى الزمني لعمر الأزمة، وفق مقاربته التي تتداخل فيها المعطيات الإقتصاديّة بالسياسيّة “بدأت ملامح الأزمة في تشرين الأول عام 2017، منذ ذلك الحين دخلنا مسار السنوات السبع العجاف، حيث بدأت تتبلور النتائج السلبيّة لتدهور سعر النفط عالميًا في العام 2015، انعكس ذلك على التدفّقات الماليّة من الخارج وتحويلات المغتربين، في حينه كانت المعطيات تشير إلى حدوث الإنهيار عام 2020، وقد نصحتُ اللبنانيين منذ مطلع 2019 بعدم ترك كامل الأموال في لبنان والإستثمار في الخارج بغية تنويع محفظتهم الماليّة“.
لا تغيير قبل 2024
في المعطى الإقتصادي يفترض الحكيم أن تنتهي السنوات السبع تلك أواخر العام 2024، “كذلك في المعطى السياسي لا تغيير في المشهدين المالي والسياسي قبل 2024. بمعنى أنّ ولاية رئيس الجمهورية تنتهي في تشرين 2022، وقد لا تحصل إنتخابات رئاسية في موعدها، وكذلك الأمر بالنسبة لولاية حاكم مصرف لبنان التي تنتهي في العام 2023، كما أنّ إجراء الإنتخابات النيابية عام 2022 في المعادلة السياسية نفسها وبظلّ ديمقراطيّة مزيّفة، يجعل الأزمة تطول، وأي حكومة ستكون كسابقاتها، من هنا تنعدم فرص حدوث تغيير حقيقي في السلطة، إذ أنّ إنتاج الطبقة السياسية نفسها التي عزلت لبنان عن الأسواق العالمية والإقتصاد العالمي لن يحدث تغييرًا بمسار الأزمة، فضلًا عن أنّ الأمور لا توحي بأنّنا ذاهبون إلى انتخابات نيابية العام المقبل، من هنا لا مؤشّرات على تغيير قبل العام 2024، في حينه نتأمل حصول تغيير على الصعيدين السياسي والإقتصادي يقوده الشباب اللبناني“.
في هذا السياق حضّ الحكيّم المغتربين والدول الحريصة على مصلحة لبنان للمساهمة في إرساء قواعد حقيقية للديمقراطية في لبنان “عندها سيكون التغيير حتميا كما حدث في الإنتخابات الطلابيّة في الجامعات كالـ AUB، LAU، USJ”.
مصارف متعددة الجنسيات
في لبنان لا يمكن فصل المسار الإقتصادي عن السياسي، خصوصًا أنّ الأزمة سياسيّة بجوهرها، تأتّت عن السياسات المالية الخاطئة والهدر في القطاعات الحكومية، والذي جعل لبنان يتصدّر قائمة مؤشرات الفساد على الخارطة العالمية، من هنا يحتلّ عامل الثقة صدارة الحلول، هذه الثقة، وفق الحكيّم، لا تُستعاد من الداخل والخارج إلّا من خلال حصول تغيير فعلي في المجلس النيابي وفي السلطة المالية، وأيضًا في القطاع المصرفي الذي فقد ثقة اللبنانيين،خصوصًا بعد أن هرّبت فئة دون سواها أموالها إلى الخارج، بحيث كانت على علم بالأزمة وهي الفئّة المسمّاة Politically exposed person من نافذين وأصحاب مصارف، فيما احتُجزت أموال اللبنانيين والمغتربين منهم، الذين شعروا أنّهم تعرّضوا لعملية احتيال وتمّ تحميلهم كل الخسائر.
ولكي يستفيد لبنان من أي ارتفاع في أسعار النفط فوق مستوى معين، ومن تحسن الأوضاع في الدول الخليجية والأفريقية حيث يتواجد الكثير من المغتربين، بما ينعكس على التدفقات المالية وتحويلات المغتربين، يرى الحكيّم وجوب بناء قطاع مصرفي جديد “يقوم على إدخال multinational banks أي بنوك إقليمية ودولية متعددة الجنسيات تفتح فروعًا لها في لبنان، وهذه المصارف لن تستثمر بطبيعة الحال بظل السياسات الماليّة والإقتصاديّة الراهنة“.
فرص في ظلّ الأزمة
على رغم قساوة الأزمة هناك إمكانية أمام اللبنانيين للإستفادة منها عبر تحويلها إلى فرص، “بحيث أنّ انهيار الليرة جعل من لبنان وجهة سياحيّة رخيصة ومهمّة في آن، ولا بدّ وأن تنشط السياحة بعد أفول جائحة كورونا، بشرط بقاء الوضع الأمني ممسوكًا. كما أنّ ارتفاع سعر صرف الدولار سيجعل من الشباب اللبناني يدًا عاملة ماهرة ومتدنيّة الكلفة، وسيتمكّن اللبنانيون بفضل اقتصاد المعرفة من الحصول على فرص عمل واعدة في الشركات الخارجية، نظرًا للتبدّل في مفاهيم العمل التي فرضها كوفيد-19، والتحوّل في الأساليب التقليدية نحو Digitization لجهة تطوير العمل، هذه الوظائف ستدخل العملة الصعبة إلى البلد، وغالبًا ما تكون من نصيب العاملين في القطاع الخاص بفضل ميزته التنافسية. كما سيتفيد لبنان من تدني قيمة الليرة في استقطاب الطلاب الجامعيين نظرًا لجودة التعليم وتدنّي كلفته بفعل ارتفاع سعر الصرف. كذلك الحال بالنسبة للقطاع الإستشفائي، ولكن الأمر مرهون ببقاء الأكاديميين والأطباء. ومن إيجابيات الأزمة انخفاض معدّل الإستيراد، وتطوير الصناعات المحلية على قاعدة الحاجة أم الإختراع، الأمر الذي يؤدّي إلى ارتفاع معدّل الصادرات“.
لبنان سينهض من جديد، قد نكون على ثقة بذلك، والشواهد التاريخية خير دليل، ولكن هل نملك مقوّمات الصمود حتّى ذلك الحين؟ وماذا عن ذوي الطموحات الشخصيّة المكلفة؟ وماذا بشأن راهني البلد على أرصفة المحاور والأقاليم؟ هل يستقيم حال بظلّ المشهدية هذه أم سننتظر بلورة تسوية خارجية ؟