وتمثل العملة الأميركية أكثر من 80% من المعاملات المالية في جميع أنحاء العالم، لذلك من السهل على واشنطن فرض عقوبات مالية على أي دولة، وكل ما عليها فعله هو إدراج الأفراد أو الشركات أو الدول ضمن “القائمة السوداء” وهي القائمة التي تُعتمد مباشرة في مختلف البنوك حول العالم.
وخوفا من منعها من استخدام الدولار، يتعين على الشركات والمؤسسات المالية الخضوع للتدابير التي تفرضها واشنطن.
في 3 كانون الأول الماضي، نشرت المديرية العامة للسياسات الخارجية بالبرلمان الأوروبي تقريرا عن إجراءات لجنة التجارة الدولية الأميركية، جاء فيه أن “العقوبات الأميركية الخارجية ضد روسيا وإيران وكوبا تؤثر على مصالح دول الاتحاد الأوروبي ولا أساس لها من الناحية القانونية”.
ويشير التقرير إلى أن هذه الإجراءات تتعارض مع شروط منظمة التجارة العالمية، كما وصف “العقوبات الثانوية” الأميركية التي تمنع الوصول إلى النظام المالي القائم على الدولار، بأنها “تحدٍّ خطير للدول الـ27 الأعضاء بالاتحاد الأوروبي”.
ومن أجل حماية اقتصادات الاتحاد الأوروبي، يدعو التقرير إلى زيادة حصة المدفوعات باليورو أو إنهاء التعاون مع الولايات المتحدة في بعض المجالات.
وتتوقع المفوضية الأوروبية أن تساعد خطة اعتمدت الصيف الماضي في إنقاذ اقتصادات الاتحاد الأوروبي من عواقب جائحة فيروس كورونا، وبرامج الإصلاح المالي التكميلية ضمن ميزانية السنوات السبع المقبلة، على تعزيز دور اليورو على الصعيد الدولي.
اليورو يتحدى
ويُجمع الخبراء على أن الدولة، أو مجموعة الدول التي تريد أن تكون عملتها مهيمنة عالميا، يجب أن تمتلك اقتصادا قويا ومتطورا ومستداما، وسوقا مالية واسعة، وأن تضمن حرية حركة رأس المال، كما يجب أن تلعب دورا رائدا في العلاقات الدولية ويكون لها نفوذ عسكري وجيوسياسي كبير.
وحسب الكاتب، فإن أوروبا تتقدم بخطى ثابتة خاصة فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي الإسمي، لا سيما في ظل التكلفة المنخفضة للمعاملات المالية وشفافية تداول المعلومات، لكن أشد المتفائلين بمستقبل اليورو يعتقدون أنه مازال بعيدا عن منافسة المركزين الماليين الرئيسيين في العالم: لندن ونيويورك.
ووفقا للمفوضية الأوروبية، بلغ الاعتماد على اليورو عام 2019 خُمس احتياطيات العملات العالمية، وربطت 60 دولة وإقليما عملاتها بالعملة الأوروبية الموحدة.
ووفقا لصحيفة “فايننشال تايمز” كان أداء اليورو جيدا أيضا في السوق الواعدة للسندات “الخضراء” والتي يصنّف نصفها تقريبا باليورو.
وفي تشرين الثاني من العام الماضي، أفاد نظام “سويفت” للمعاملات بين البنوك أنه “لأول مرة منذ 2013 لم يعد الدولار العملة الأكثر استخداما بالمدفوعات العالمية” وأشار إلى أن الدولار استحوذ على 37.6% من المعاملات في شرين الأول، مقابل 37.8% لليورو.
وقد أكد موقع “بلومبيرغ” أن تراجع سعر الدولار وانخفاض المدفوعات بالعملة الأميركية كان نتيجة الأزمة التي شهدتها التجارة العالمية والركود الاقتصادي الناجم عن تفشي فيروس كورونا، وحالة عدم الاستقرار السياسي.
عائق جيوسياسي
وبناء على الوثيقة المنشورة مؤخرا، تتطلع المفوضية الأوروبية إلى الحفاظ على وتيرة التكامل الاقتصادي والمالي الذي حققته الاتحاد الأوروبي في سياق الجهود المشتركة للتصدي لأزمة كورونا.
ويتزامن ذلك مع تصعيد كبير بين الولايات المتحدة والصين ماليا وتجاريا وتكنولوجيا، وهو ما قد يمنح اليورو والنظام المالي الأوروبي ككل فرصة تقديم البديل والملاذ الآمن للدول والشركات التي تسعى للإفلات من براثن الصراع الأميركي الصيني.
اليورو الرقمي
وحسب رأيه، فإن أوروبا تعاني من تأخر رهيب مقارنة بالولايات المتحدة والصين في مجال الخدمات المالية الرقمية والتجارة عبر الإنترنت، ويحتاج سد هذه الفجوة التكنولوجية مجهودات كبيرة، وما يزيد الوضع سوءًا هو عدم وجود سوق أوروبية مشتركة للتقنيات والخدمات المالية الرقمية.
وفي الوقت الحالي، يعمل البنك المركزي الأوروبي على إصدار اليورو الرقمي للحد من الاعتماد على الدولار، ومثل هذه الخطوة قد تكون لها عواقب جيوسياسية كبيرة -وفقا للكاتب- على غرار ما حدث عند ظهور البتكوين، حيث أحسّت واشنطن بالخطر وسخّرت إمكاناتها لمواجهة هذه العملة الجديدة.
ويؤكد الكاتب أنه إذا بدأت الدول والحكومات بإصدار العملات المشفرة، فإن العقوبات الأميركية الأحادية ستصبح غير مجدية، كما أن انسحاب أي دولة من الاتفاقيات متعددة الأطراف لن يكون له أي معنى أيضًا.
لذلك، فإن اليورو الرقمي قد يقوض هيمنة الدولار وسياسة العقوبات والضغوط الأميركية، ويعطي بدائل للمعاملات الدولية بين البنوك بعيدا عن الدولار.