ربما كانت عودة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الى منصة التصريح، ليصرح مجدداً بعدما همَّ الى الخروج من قصر بعبدا بعدما وصل الى بابه الخارجي، مؤكداً على ما التزم به لناحية شكل الحكومة ومهمتها، كمن اتاهم مسلماَ وخرج من عندهم لا محموداً ولا مشكوراً ولا حتى مرغوباً به.
قد لا يصرف انفعال الحريري اليوم المكبوت في مكان ، فهو ساهم في تسوية بنيت على اساس مقايضة مجردة من اي ضمانات تكفل التوازن وتمنع اية قوى من التفرد والانقلاب وضرب اسس الطائف والدستور.إلا انه بمكان آخر يفسر ذلك خطورة الوضع وتفلت مفاتيح الحل من يد اصحاب الحل ، خاصة بعد الجولات الخارجية التي قام بها الحريري وآخرها كان فرنسا والتي يبدو انها ابلغته عن ضبابية واضحة وعدم انقشاع الرؤية الدولية حيال الملف اللبناني حتى الساعة.
قد لا تبدو الامور بهذه السهولة سيما وان المبادرة الفرنسية جاءت من رحم انفجار دمر العاصمة بيروت، فأتت على شكل حل انساني دون ان تحمل حلاً سياسيا مقروناً بعصا عقوبات. فاللاعب الفرنسي كما يبدو لا يملك أية اوراق ضغط لانجاح مبادرته. من هنا شكل اتصال الرئيس الاميركي “بايدن” بالرئيس الفرنسي “ماكرون” مناسبة للفت الاخير الانتباه الاميركي نحو لبنان، عبر طرحه ملفه رابطا بذلك ورقته بورقة التفاوض الاميركية الكبرى مع ايران، لعل ذلك يسهم في استحصال الفرنسي على ورقة ضغط تدفع نحو الحلحلة. بيد ان “بايدن” ، وإن ابدى استعداداً للتعاون في الملفات المطروحة ، إلا أنه لا يبدو كسلفه ترامب “متهوراً”، فهو يفضل دراسة خطواته بهدوء قبل اتحاذ اي قرار. وحتى ان قراراته يعلن عنها دون ان يصحبها بأي مناخ او مؤشر يحدد نحو اي اتجاه ستستير الامور. وهذا ما يفسر القرار الاميركي الاخير بشطب الحوثيين من قائمة الارهاب، في خطوة تشير الى بدء عمل الوساطات على خط الملفات الساخنة.
اضف الى ذلك ايضاً الحراك القطري الذي تزامن مع عودة السفير السعودي وذلك بتنسيق فرنسي ترجمته تصريحات وزير خارجية قطر التي صبت في نفس سياق المبادرة الا ان صداها لم يصل مسامع حزب الله ومسامع العهد.
امام هذا الواقع، يبدو ان حزب الله مرتاح الى وضعه لعدة اسباب من ضمنها ان غيمة الصراع “السني – الشيعي” لم تعد تثقل حراكه، وقد حل محلها صراع جديد عنوانه دستوري، محوره الصلاحيات، ولكن غايته العودة الى ما قبل العام 1989. في محاولة من اللاعبين في هذا الاتجاه لحرف واستدارج ” السّنة ” عن نهج الاعتدال واضعاف دورهم والدفع بهم نحو التقوقع والتصرف كأقلية.
بالطبع هذا المشهد يطرح فرضيات خاصة اذا استمر “التعنت” سيد الكلمة في ملف تشكيل الحكومة واوصل التعنت الى الاحتكاك ثم الانفجار الكبير. عندها قد تكون فرضية تشكيل “حكومة انتقالية” هي الاقرب او ربما الخطة “ب” التي قد تحملها جعبة المبادرة الفرنسية ، على ان تأتي تلك الحكومة بحل سياسي دقيق لن تتكشف وجهته بمعزل عن تلمس المسار الاميركي في المنطقة ولن يكون بمعزل عن رعاية أممية. وهذا ما يطرح علامة استفهام كبيرة، في حال صحت تلك الفرضية، عن مصير التوازنات والمعادلة السياسية الحالية في لبنان والى اي اتجاه سينتقل البلد ؟!
ميرفت ملحم (محام بالاستئناف)