لا يمكن غضّ النظر عن الحركة الدبلوماسية العربية والغربية التي تحصل في الساعات الأخيرة بعد غياب ومقاطعة دامت طويلاً عن لبنان. ولعل أهمها موقف البابا فرنسيس أمس الاثنين، الذي حاول رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل التذاكي عليه ولفلفته لمصلحته. وهنا، سؤالان بديهيان لا بدّ من طرحهما، “ما سرّ اللهفة المفاجئة؟ وهل تفضي هذه الزيارات والاتصالات والنداءات إلى نتيجة؟”.
الوقت كفيل بالإجابة، ولكن في الحين، لا يمكن نكران الواقع، وهو أن الغرب والأجانب أكثر رأفة بالشعب اللبناني من حكامه أنفسهم. فالله اعلم متى تتشكل الحكومة لأن المقاطعة مستمرة بين المعنيين بالملف، أي رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، على الرغم من كل المساعي المحلية والخارجية التي بذلت لكسر الجليد. وأضف إلى باقة الإشكالات، خلاف جديد بين التيار الوطني الحرّ وحليفه اللصيق حزب الله الذي حتى الساعة لم يرد على البيان المفاجئ لـ”التيار”، مع أن آثار البيان سلبية عند أوساط “الحزب”.
ومع ذلك، لا يزال حزب الله رأس حربة في الدفاع عن مطالب عون في الحكومة، ووجه رسالة إلى الحريري عبر مقدّمة نشرة “المنار” اختزنت تحذيراً صريحاً من أنه في حال لم يبدِ “مرونة قبل غيره” في مقاربة المسار الحكومي بعد عودته إلى بيروت، فإنّ “السلبية ستستمر والحال الحكومية لن تتغير لا في 14 شباط ولا حتى في 14 آذار”.
وبينما حركة السفراء والوزراء العرب والموفدين إلى لبنان في أوجها، يقوم الحريري بجولات عربية وغربية مع وصوله أمس إلى باريس وسط ترجيحات لقائه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.
وهنا تبقى التساؤلات عن مصير المسعى الفرنسي، اذ تقدّر مصادر سياسية أنّه مهدّد، كونه يتواكب مع واقع لبناني منقسم على ذاته، بين من يريد للمبادرة الفرنسية أن تسلك طريقها الى النفاذ، وبين من يريد أن يقطع عليها الطريق، وحتى ولو كانت قوة الدفع الفرنسية في اتجاه انجاح المبادرة أقوى هذه المرة مما كانت عليه، مع اعلانها آخر آب الماضي، فإنّ نقطة ضعفها او فضلها، تتجلّى في أنّها قد لا تجد من يتلقفها، في بلد يبدو الانقسام فيه اقوى من كل الوساطات والمبادرات، وبات مفروزاً سياسياً بالكامل بين جبهات متصادمة.
وبحسب المصادر لـ”الجمهورية”، قد يستحيل على أي جهد او مسعى خارجي لتأليف الحكومة، أن يتمكن من عبور هذا الجو المقفل، خصوصاً أنّه لا يزال آيلاً لأن يتفاقم أكثر، مع استمرار التراشق على اكثر من جبهة، وإصرار بعض الجهات الداخلية على توسيع مروحة الاشتباكات مع كل الاطراف. وهو امر يعني في هذه الحالة، أنّ تأليف الحكومة معلّق على خط التوتر العالي، ما ينذر بترحيله أشهراً إلى الامام، وهذا معناه بقاء البلد في حالة دوران في حلقة الازمات وتداعياتها الخطيرة.
بالمقابل، ترددت أمس الاثنين أنباء إعلامية عن اتجاه مبعوث الرئاسة الفرنسية باتريك دوريل لزيارة بيروت نهاية الأسبوع لاستعراض مستجدات المواقف مع المسؤولين اللبنانيين حيال مسألة تشكيل الحكومة، غير أنّ مصادر فرنسية رفيعة المستوى شددت لـ”نداء الوطن” على أنّ ما يتم تداوله في الإعلام اللبناني حول زيارة دوريل “غير صحيح” وأنّ لا موعد محدداً للزيارة بعد.
توازياً، يصل نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى لبنان حيث يعقد مؤتمراً صحفياً في قصر بعبدا إثر لقائه عون قرابة الثانية عشرة ظهراً، على أن يلتقي بعدها كلاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب. وإذ أكدت مصادر رسمية أنّ الدوائر اللبنانية لم تتبلغ بالغاية من زيارة المسؤول القطري، أعربت مصادر سياسية، لـ”نداء الوطن”، عن اعتقادها بأنّ الزيارة ذات طابع تضامني مع لبنان وسيتخللها على الأرجح الإعلان عن “مكرمة” قطرية تقع في خانة المساعدات الإنسانية، مع إبداء استعداد الدوحة للعب أي دور توفيقي بين الأفرقاء اللبنانيين.
وعلى الرغم من ان غموضاً اكتنف الإعلان المفاجئ عن الزيارة الوزير القطري إلى بيروت، فان الأوساط السياسية لم تستبعد، لـ”النهار”، ما ذكر عن عودة خليجية الى بيروت توسم بها إيجابا معظم القوى السياسية مع عودة السفير السعودي في بيروت قبل يومين ومن ثم مع زيارة الوزير القطري اليوم.
وفي سياق متصل، كشفت مصادر دبلوماسية لـ”الجمهورية”، عن انّ السفير السعودي في لبنان وليد بخاري الذي عاد اليها قبل ايام قليلة، بدأ سلسلة من اللقاءات الدبلوماسية مع نظرائه العرب والخليجيين، في إطار حملة دبلوماسية واسعة لم يكشف عن اهدافها خارج اطارها الاستشاري والاستطلاعي، وهي ستشمل في الساعات المقبلة كلاً من السفيرتين الفرنسية والاميركية في بيروت.
إلى ذلك، وعلى الرغم من أنّ النداء البابوي تبنى بشكل جلي هواجس بكركي ونداءاتها الوطنية التي لم تلقَ آذاناً صاغية لدى التيار الوطني الحر ولم تتقاطع مع أهواء “التيار” وأجندته السياسية، لم يتوان رئيسه باسيل عن محاولة حرف كلام البابا فرنسيس عن مراميه و”التذاكي” عليه، حسبما لاحظت أوساط مسيحية معنية، عبر محاولة حصر مفاعيل الخطاب البابوي، على أهميته، في خانة ضيقة تقتصر على الإضاءة على الشق المتعلق بملف النزوح، مقابل التعمية على كل الرسائل المهمة الأخرى التي اختزنها كلام البابا.
وفي هذا الإطار، طرحت الأوساط جملة تساؤلات وضعت الإجابات عليها في عهدة “التيار الوطني”، وقالت، لـ”نداء الوطن”، “حين يحذر البابا اللبنانيين عموماً والمسيحيين بشكل أخصّ من خطر فقدان الهوية الوطنية والانغماس داخل التجاذبات والتوترات الإقليمية، ألا يجد رئيس التيار نفسه معنياً بهذا الكلام وهو المنغمس في لعبة التجاذبات والتوترات ضمن إطار أجندة إقليمية واضحة المعالم والأهداف في لبنان والمنطقة؟”.
وتضيف الأوساط، “عندما يشدد على وجوب إخراج الحضور المسيحي في بلاد الأرز من التقوقع في حيّز الأقلية إلى رحاب شرق أوسط تعددي متنوع، ألا يصيب هذا الكلام مقتلاً في النهج العوني القائم منذ نشأته على دفع المسيحيين إلى التخندق ضمن حلف للأقليات في المنطقة؟”.
رصد فريق موقع “القوات”