وطالما أن السلطة السياسية عاجزة عن إحداث أي تغيير حيال حل الازمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، فإن الحراك الدولي سوف يستمر في الفترة المقبلة، بالتوازي مع الترويج له في الداخل الذي يقرأ في سياسة التعطيل دورا مباشرا لحزب الله الذي لا يريد تاليف حكومة في الوقت الراهن، ومرد ذلك انتظار طاولة المفاوضات الاميركية – الايرانية.
يظن كثيرون ان تغريدة النائب عن كتلة “التنمية والتحرير” أنور الخليل امس التي اشار فيها إلى ان لبنان أمام حَلَّين: “إمّا تلقّف مبادرة الرئيس نبيه بري لتشكيل الحكومة أو قد يُفرَض الحلّ تحت البند السابع لميثاق الأمم المتحدة “، لم تأت من عندياته، فهي تحظى بمباركة من الاقربين والبعيدين، فضلا عن انها تقاطعت وبقوة مع مطالبة البطريرك الماروني بشارة الراعي امس الاحد بطرح قضية لبنان في مؤتمر دولي خاص برعاية الأمم المتّحدة.
يوفر الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الإطار الذي يجوز فيه لمجلس الأمن النفاذ، فيتضمن المواد التي تنظم عمل مجلس الأمن في حالة تهديد السلم أو الإخلال به وفي حالات العدوان ، وينص على ان يقدم توصيات أو يلجأ إلى القيام بعمل غير عسكري أو عسكري لحفظ السلم والأمن الدوليين ويتطلّب تطبيقه على الدول موافقة أكثريّة 9/15 من أعضاء مجلس الأمن وعدم استعمال أيّ من الدول الخمس دائمة العضويّة حق النقض .
فهل يستقيم طلب تطبيق الفصل السّابع على لبنان؟
يؤكد الخبير الدستوري والقانوني الدكتور عادل يمين لـ” لبنان24″ انه ستناداً إلى الفقرة 4 من المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة ” يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد “الأمم المتحدة”..، ووفقاً للفقرة السابعة من المادة 2 عينها “ليس في هذا الميثاق ما يسوغ ”للأمم المتحدة“ أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي من الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن هذا المبدأ لا يخلّ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع”.
لكن بالعودة إلى الفصل السابع، يلاحظ يمين، أنّ المادة 41 من الميثاق تنص على أنّ لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء “الأمم المتحدة” تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئياً أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية، في حين أنّ المادّة 42 من الميثاق عينه تنص على أنه إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء “الأمم المتحدة”، وبذلك يتبدى جلياً أنه لا يجوز للأمم المتحدة التدخل في الشؤون الداخلية للدول ولا يجوز اللجوء للفصل السابع إلا في حالة مساس السلم والأمن الدولي. وفوق ذلك، فإنّ الفقرة أ من مقدمة الدستور تنصّ على أنّ “لبنان وطن سيد حر مستقل”، والفقرة د من المقدمة ذاتها تقضي بأنّ الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية.
وليس بعيداً، يرى يمين أن موضوع الحياد من حيث تحييد لبنان في الصراعات العربية – العربية مطلوب، لكن لبنان لا يستطيع أن يكون محايداً في مواجهة العدو الاسرائيلي، وقد سبق وأكد البطريرك الراعي ذلك، وهو ما يجعل عملية حياده تستلزم دراسة لتحديد إطارها ومعناها فضلاً عن التوافق اللبناني. أما معالجة الثغرات الدستورية والإجرائية في النظام اللبناني فهي ضرورية ومرغوبة وصادرة من حرص البطريرك على انتظام عمل المؤسسات ولكن يجب أن تأتي ثمرة حوار لبناني – لبناني تكرسه المؤسسات الدستورية اللبنانية مع إمكانية إبلاغ الأمم المتحدة الاتفاق الذي توصل إليه اللبنانيون كما حصل مع الكثير من الوثائق الوطنية وبينها اتفاق الطائف.
وبعيداً عن القراءة الدستورية، الواضح أن الانقسام السياسي حيال مؤتمر دولي حول لبنان سوف يتعمق أكثر. وهنا تكتفي مصادر مقربة من حزب الله بالقول لـ”لبنان24″ ان ” طروحات كهذه عواقبها وخيمة”، معتبرة أن هذه المطالبات سيقابلها دفع جدي نحو تغيير النظام السياسي لكونه لم يعد صالحا، وبناء نظام سياسي جديد وفق اسس مختلفة، خاصة وان موازين القوى في الداخل والخارج وطاولة المفاوضات الاميركية – الايرانية قد تفرض نفسها في المستقبل القريب.
وتجدر الاشارة في هذا السياق إلى أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أكد في إطلالات له رفض تدويل الأزمة اللبنانية عطفا على رفضه تدويل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت.