كتبت إكرام صعب في “سكاي نيوز”: غالبا ما نسمع عبارات مثل “جدّو كان يحلها بصفة يومية”، “تيتا (جدتي) أطال الله عمرها كانت تشتري المجلة يوم السبت، لتمضي عطلة نهاية الأسبوع في حلها”، “جار جدي كان معروفاً بمهارته في حل الكلمات المتقاطعة، لا سيما الصعبة”، “كنت أحب حل الكلمات المتقاطعة في مجلات الشبكة ودار الصياد، لأنها أسهل من المنشورة في الصحف وأغلبها يعتمد على معلومات سينمائية وغنائية”.
هنا في لبنان الفعل الماضي مهيمن، فالغالبية تتحدث عن الكلمات المتقاطعة باعتبارها نفحات من الماضي.
والبعض يحن إليها وإلى الزمن الهادئ والراقي، لكن العديدين في الجيل الجديد لا يسمعون عنها أصلا، حسبما تقول رؤى دوغان، المعلمة في إحدى مدارس بيروت.
فاليوم باتت الكلمات المتقاطعة في القرن الـ21 الوجه الآخر لـ”جدو” و”تيتا” بل الأدهى من ذلك، هو أن البعض يعتقد أنها رياضة ذهنية لكبار السن من الرجال فحسب.
لعبة “وين”
والكلمات المتقاطعة لعبة فكرية، ذهنية، تتكون من مربعات سوداء وبيضاء على شكل جدول يحوي أعمدة وصفوف من المربعات الفارغة.
ويعود الفضل في نشر لغز الكلمات المتقاطعة، أول مرة، لصحفي يدعى آرثر وين، نشر اللغز في 21 كانون الثاني من عام 1913 في صحيفة “نيو يورك ورلد” New York World، وعادةً ما يُنسب إليه اختراع لعبة الكلمات المتقاطعة الشائعة.
اكتسبت الكلمات المتقاطعة سمعة بأنها رياضة فكرية للمتقاعدين، حيث لديهم فائضا من الوقت، وخبرة متوفرة ، إضافة إلى الرغبة في إبقاء الذهن متقداً و منشغلاً في ما يفيد.
وتشير بحوث علمية إلى أن مرض الزهايمر الذي يصيب شخصاً كل ثلاث ثوان في العالم، ويتوقع أن يتضاعف عدد المصابين به فوق سن الـ65 عاماً كل خمس سنوات، يمكن على الأقل التقليل من أعراضه عن طريق المواظبة على حل الكلمات المتقاطعة.
وتقول المعلمة لميا علامة إن الكلمات المتقاطعة تعاني من وصمة “القِدم”، لا سيما بين الأجيال الصغيرة والشابة، علماً بأن معظم المدارس الأجنبية في لبنان لا زالت تعتمدها في منهاجها كمادة مهمة تعطى للتلاميذ بين الواجبات المدرسية.
أما رامي حسن (15عاماً) فيرى أن سبب كونها رياضة ذهنية “لأنها تتطلب معرفة وإلماماً بالمعلومات العامة والحروب والحوادث والتاريخ والجغرافيا والسياسة”.
مؤلف كلمات متقاطعة
المهندس المعماري اللبناني نبيل الداعوق الذي عرف بتأليفه وشغفه بهذه الهواية التي طبعت باسمه كمهنة لاحقاً ي قول لــ سكاي نيوز عربية: “هي مهنة ثقافة الكلمات، بدأت معي وأنا في الـ 20 من عمري أي قبل 40 عاماً، كنت شاباً هاوياً لحلّها فتطورت هوايتي هذه وتحولت إلى مهنة عملت فيها بمعظم الصحف اللبنانية”.
ويشير الداعوق بأسف إلى توقف معظم الصحف الورقية في لبنان عن الصدور “لتندثر معها مهنة ثقافية لم تشف غليلها التطبيقات الإلكترونية كما يجب، خصوصاً أنها لم تدخل البيت وتنتشر في زواياه وعلى طاولاته أمام الأطفال دون إستئذان” .
ويتابع الداعوق: “أشرفت على تأليف الكلمات المتقاطعة وتحضيرها بمجهود فكري وبصري ومزيد من الوقت لكل شبكة..، كان تأليفها يتطلب من 3 إلى 4 ساعات للتحضير لتجميع المعلومات المهمة، كالتاريخ والجغرافيا والحساب، والمواد الثقافية التي تجذب القراء وخصوصاً الطلاب”.
ويتابع متحسراً:”أسماء لمعت في هذا المجال لم نعد على تواصل معها، ربما بسبب انقراض هذه المهنة”.
وتابع “كان اللافت أنه إذا غاب أحدنا وغابت صفحة التسلية عن المطبوعة اليومية أو الأسبوعية، تنهال الاتصالات على الجريدة من كل حدب وصوب “.
ويضيف: “اليوم هي غائبة عن المواقع الإلكترونية، وقد يكون السبب شغف القارئ للمس الشبكة بيده وحلها بالقلم، وهي بالفعل غائبة عن معظم المواقع الإلكترونية ولا ندري السبب !”
ويختم الداعوق بأسى وحنين لتلك الأيام :”لو كان عندنا صحف ورقية وصفحات مطبوعة خلال فترة الحجر، كان الأمر قد اختلف”.
ويقول الداعوق إنه لا يزال يبحث عن قصاصات المجلات القديمة ليعيد حلها وتعليمها لحفيده وأعلمها لحفيدي “فلم يتبق لي نت هذا العمل الذهني الشاق إلا الذكريات الجميلة .
المصدر: سكاي نيوز عربية