خاص سكوبات عالمية | محمد ناصرالدين.
لا تنتظر الوطنية من نفوس شَرِبَت الطائفية و العصبية حتى ثَمِلَت على طاولة الاحزاب، لا تأمل اللُحمة من أُناس خُيِّل لهم أن في الآخرين خطرٌ و شرٌ مقيم، لا تنتظر الديمقراطية في بلدٍ يُذَل أهلُه بلا حرب، و يجوع الناخبون و أحشاء رؤوسائِهِم تَمِّلُ الملذات و المآكل.
لبنان الغني بنعم الله، الفقير بأمانة مسؤوليه ، لا ولاء له إلا في الأشعار و الاغاني الوطنية، جميعهم يقولون لبنان اولاً، فتراه في أفعالهم الآخر مهمشاً دون اهتمام .
لماذا يفتقر لبنان للأحزاب السياسية؟
الاحزاب السياسية هي نبض الديمقراطية، و المقصود هنا الاحزاب الوطنية التي تغرس في الوطن اجيالاً في طموحها وطن، تغرس ثقافة المواطنة، ثقافة الوطن اولاً . هذا الكلام ينطبق على الاحزاب لا الدكاكين الطائفية المنتشرة في لبنان.
انه لمؤسفٌ أن يقول قائل أن في لبنان أحزاب و ديمقراطية و حريات! انه لسخيف أيضاً عند الحديث عن الاحزاب السياسية، أن يُذكر لبنان و أحزابه، فالذين يُسَّمون أنفسهم أحزاب لبنان، ليسوا إلا بائعي هوى و ضمير و ولاء لمن يدفع اكثر ، ليسوا الا دكاكين طائفية تُباع فيها طموحات الناس لإشباع جيوب من ركبوا الطائفة و ساقوها نحو ينابيع مصالحم.
فإن كان لبنان بلد ديمقراطي، فبئس الديمقراطيات التي تعيش على العصبية الحمقاء، بئس الديمقراطيات التي تتنفس الهواء الطائفي، حيث تنذوي كل طائفة خلف حزب، ينهش من لحم الوطن!
هل يمكننا بناء وطن ديمقراطي من خلال أحزاب طائفية؟
لا ديمقراطية بدون قانون عصري للأحزاب يحظر أي حزب أو تجمع من شأنه أن يُضعِف الولاء الوطني او يُهمشه.
فتنظيم الأحزاب في لبنان يخضع لقانون الجمعيات الذي وُضع منذ زمن العثمانيين في العام 1909 ، وهذا القانون هو نفسه قانون الأحزاب الذي لا يزال سارياً حتى اليوم.
بناء الوطن يبدأ من النفوس، من ليال الكشافة، و غرف المدارس و خلوات الاحزاب. نعم لبنان بحاجة لتنشئة وطنية حقيقة، لا تنئشة طائفية او عقائدية. تنشئة يجب أن يصونها القانون و يفرضها على كل من يتعاطى الشأن السياسي.
الأحزاب السياسية هي أول ما يُنَمِّي هذه الثقافة و يعزز الوعي السياسي للفرد، منذ انضمامه الكشافة و و حتى دخوله معترك الشباب و الخيارات. و من الحماقة أن تستحوذ الاحزاب العقائدية و المتطرفة ذات الولاء الوطني الضعيف على رعونة عقل المراهقين، فيصبح الوطن في الذاوية المهمشة من عقولهم.
ما هي أولويات القانون الجديد؟
حظر الاحزاب الطائفية هو ضرورة ملحمة للعبور نحو وطن، يكون الأول في اهتمامات النفوس و القلوب و القوانين و الممارسات .
فرض العضوية الغير محصورة بطائفة معينة هو أول ما يجب أن يتنبه إليه القانون الجديد. من خلال سحب الترخيص من أي حزب سياسي لا يضُم في صفوفه أعضاء من أكثر من طائفة في لبنان.
كما على قانون الجديد التصدي لآفة الآفات، و هي التمويل الخارجي العلني للأحزاب اللبنانية ، فلا بد من مراقبة مصادر تمويل هذه الأحزاب و مداخيلها، هذه الرقابة يُسَهِّلُهَا فتح الأحزاب حسابات خاصة بها ، منفصلة عن حسابات قادتها. بحيث تخضع هذه الحسابات الحزبية بشكل دوري لرقابة وزارة الداخلية و البلديات (على أن تُستثنى هذه الحسابات من مفعول قانون السرية المصرفية الساري في لبنان) ، و ذلك بهدف حظر أي مصادر مشبوهة او تمويل خارجي للأحزاب، كما أن هذا الإجراء من شأنه التخفيف من نهب المال العام .
إقرار هذا القانون في مجلس، معظم نوابه هم من الأحزاب الطائفية، أمر بغاية الصعوبة. فلهذا القانون إن اُقِر أن يشكل أولى الصفعات للأحزاب الطائفية التي تسترزق من المحاصصة و المحسوبية و الطائفية. كمان أنه يحد من تأثير الخارج على خيارات الأحزاب و السياسة اللبنانية ، فلبنان منذ استقلاله يدفع ثمن تدخل الخارج في شؤونة و ارتهان أحزابه للسفارات و أموالها .