مسار النفط عالمياً
بعيداً عن ترويج السلطات الرسمية و”كارتيل” شركات استيراد المحروقات و”أذنابها”، من فادي بوشقرا المتحدث باسم موزعي المحروقات، إلى غيره من المستفيدين من ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان، وتصويرهم على أن الأمر أكثر من طبيعي، كون تسعير المحروقات في لبنان يتم بالتوازي مع أسعار النفط عالمياً، ثمة أرقام لمسار تطور أسعار النفط في العالم من جهة وتطور مسار أسعار المحروقات في لبنان من جهة أخرى، تؤكد عدم ارتباط رفع أسعار المحروقات بأسعار النفط، سوى في خيال المروّجين. وتُثبت أيضاً أن رفع أسعار المحروقات محلياً لا يخضع لأي آلية علمية. بل يتم اعتباطياً بالتواطؤ بين تجار المحروقات بكافة فئاتهم وزُمرهم وبين وزارة الطاقة المتخاذلة عن القيام بدورها، وإلا لما عمدت وزارة الطاقة على مدار سنوات على إخفاء آلية تحديدها جدول تركيب أسعار المحروقات، وما كانت لتمتنع عن نشره كلما دعت الحاجة.
غش في تسعير البنزين
في مقارنة بسيطة بين تطور أسعار البنزين (على سبيل المثال) محلياً والنفط عالمياً يتبيّن وبوضوح السرقة الواضحة لجيوب المواطنين، فمنذ تاريخ 11 تشرين الثاني وحتى اليوم ارتفع سعر صفيحة البنزين من 24 ألف ليرة إلى 30 ألفاً و100 ليرة. أي بارتفاع بلغ 6100 ليرة تحديداً، في المقابل ارتفع سعر برميل النفط عالمياً من التاريخ نفسه وحتى اليوم، من نحو 47 دولار إلى قرابة 58 دولاراً حالياً، وبذلك قد تُبرّر زيادة سعر البنزين بارتفاع سعر النفط، علماً أن الإرتفاع المحلي غير متناسب مع الارتفاع العالمي.
لكن الأمر المُستهجن هو ما قبل تاريخ 11 تشرين الثاني حين سلك سعر برميل النفط مساراً نزولياً على مدى أشهر، ولم تظهر انعكاساته على أسعار المحروقات في لبنان، خصوصاً على البنزين. فقد تراجع سعر برميل النفط عالمياً منذ شهر آب الفائت من 45 دولاراً بشكل متواصل تدريجي إلى 37 دولاراً في شهر تشرين الأول، إلا أن أسعار المحروقات في لبنان لم تشهد أي انخفاض في تلك الفترة بما يتناسب وانخفاض النفط. بل على العكس تطوّر سعر صفيحة البنزين من شهر آب (حين كان النفط بـ45 دولاراً) من 24400 ليرة إلى قرابة 26 ألف ليرة في شهر تشرين الأول (حين أصبح النفط في محيط 37 دولاراً) بمعنى أن البنزين ارتفع محلياً بالمقارنة مع تراجع سعر النفط عالمياً.
طبعاً، لدى المعنيين بالشأن النفطي الكثير من التبريرات والتفسيرات لتلك الأرقام، ودائماً ما يدّعون أن عمليات استيراد المحروقات تتم بشكل دوري كل شهرين. وهو ما يجعل من تغيير سعر النفط بشكل يومي غير ذات تأثير مباشر على أسعار المحروقات. وهنا لا بد من السؤال عن تبرير وضع جدول لتركيب الأسعار بشكل أسبوعي، طالما ان الاستيراد يتم كل شهرين؟
ماذا عن الدولار
هذا في ما يتعلّق بالنفاق والخزعبلات في ملف النفط. أما في ما يتعلّق بارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء في لبنان وتأثيره على أسعار المحروقات، فإن مصرف لبنان لا يزال حتى اللحظة يدعم استيراد المحروقات بنسبة 85 في المئة على سعر صرف 1515 ليرة. أما نسبة الـ15 في المئة المتبقية، والتي تؤمنها شركات الاستيراد من السوق السوداء، فإنها تستعيدها من دون وجه حق من محطات المحروقات، الذين تبلغ قيمة جعالتهم عن كل صفيحة بنزين 1900 ليرة، وعن صفيحة المازوت 700 ليرة. وتُلزمهم الشركات بسداد جزء من طلبيات المحروقات بالدولار الأميركي.
نعم من غير المستبعد أن يصل سعر صفيحة البنزين في لبنان إلى 50 ألف ليرة وربما أكثر من ذلك، لأن تسعير المحروقات يستند إلى عوامل أساسية هما سعر النفط العالمي وجشع المستوردين وفساد وزارة الطاقة، ومن غير المتوقع أن تزول أي من تلك العوامل في المدى المنظور.
المصدر: المدن – عزة الحاج حسن