يستمر الدفع الفرنسي محلياً وخارجياً لتوفير ظروف مؤاتية لولادة الحكومة. لكن حتى الآن لم تبرز مؤشرات إيجابية. ولا تزال باريس تسعى للحصول على غطاء عربي ودولي لمبادرتها.
بين القاهرة وباريس
وزيارة الحريري إلى القاهرة تهدف إلى إظهار الدعم العربي الذي يحظى به، إلى جانب إصراره على شروطه لتشكيل الحكومة بلا أية تنازلات. وهذا ما تحاول مصر تثبيته عليه خلال حركتها السياسية في لبنان، ساعيةً إلى ولادة حكومة بمواصفات المبادرة الفرنسية، ولا ينكسر فيها أي طرف ولا يقدّم الحريري أي تنازل.
يتحرك الحريري بعد موقف الرئيس نبيه برّي الذي وضع مشكلة التعطيل لدى رئيس الجمهورية ميشال عون وثلثه المعطل. لكن خطوة برّي هذه لن تسهم في تغيير موقف عون أو باسيل.
لا بوادر تشير إلى استعداد عون وباسيل للتنازل، بل هما يتمسكان أكثر بمبدأ وحدة المعايير. وهذا لا يشير إلى إمكان تسهيل ولادة الحكومة. لكن هناك وجهة نظر أخرى تفيد بأن الضغط الفرنسي مستمر للوصول إلى حكومة قريبة.
إيران لا تريد حلاً
وهناك من يرى أن بعض مكونات الطبقة السياسية تريد استمرار الأزمة للاستثمار بالانهيار. ذلك لأن الانخراط في الحل يستوجب التضحية، التي لا تريد هذه القوى تحمل تبعاتها. خصوصاً البحث في معالجة الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية والمالية في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي يفرض حلولاً جذرية.
وكأن هذا البعض يريد التأقلم مع الأزمة وحمايتها، لتجنب فرض التغيير. وأي حكومة تتشكل مضطرة للقيام بإجراءات فاعلة وجدية، تؤسس إلى تغيّر منهجي في آلية عمل مؤسسات الدولة والحكم.
فأي تغيير في لبنان لا بد أن يحظى بغطاء خارجي، ولا سيما إيراني. والقوة القاهرة في لبنان هي قوة حزب الله المرتبطة بالوضع الإقليمي وتطوراته. ولذا، فإن الدور الإيراني قوي جداً في لبنان. وبالتالي لا يراد لهذا الواقع أن يتغير. فالتغيير قد ينقلب على النفوذ الإيراني ويؤدي إلى ما لا يحمد عقباه. وطهران قادرة أصلاً على تقويض أي مشروع تغييري حقيقي. وهناك أمثلة كثيرة على إجهاض محاولات متعددة من هذا النوع، استناداً إلى قدرة عسكرية وأمنية واجتماعية تمنع التغيير والحل في لبنان.
قاعدة صواريخ فقط
لتتوفر مقومات التقدم في مبادرات الحل والتغيير، لا بد من حاضنة دولية وإقليمية. وهذا من ثوابت الرؤية والمبادرة الفرنسيتين. فباريس لا يمكنها أن تنجح بلا توفير الحد الأدنى من استنهاض التوازن السياسي العربي والإقليمي، في مواجهة النفوذ الإيراني.
لكن هذا يتطلب معالجته استراتيجية في المنطقة كلها. وبالتالي لا يمكن الحديث عن حلّ جذري من دون رؤية استراتيجية. أما الحلول الآنية أو التكتيكية فتؤدي إلى تسوية من هنا أو من هناك، وتنتج حكومة أو تجهض حكومة وتأتي بأخرى. وهذه كلها حلول شكلية طالما أن معالم الصورة الإقليمية لم تتبلور.
والتفاهم الأميركي – الإيراني إذا حصل، قد لا يفتح الباب لحل الأزمة اللبنانية. وإيران بسيطرتها على لبنان، لا تمتلك له أي مشروع مستقبلي. فهو في الاستراتيجية الإيرانية قاعدة صواريخ وساحة نفوذ لبازار مفتوح إقليمياً ودولياً. وفي ظل هذه الوقائع لا يمكن توقع أي نهوض اقتصادي ومساعدات خارجية حقيقية تنجم عن انفتاح عربي.
المصدر: المدن – منير الربيع