كتب ليا القزي تقرير في الجريدة الاخبار :
يُريد مصرف لبنان أن يكون الجهة الوحيدة في البلد التي تستقبل الدولارات التي تُرسلها المنظمات الدولية إلى برنامج دعم النازحين السوريين، كما أنْ يحتفظ بدولارات واردات الخدمات القنصلية للبعثات الدبلوماسية لديه، ويحوّل إلى الخزينة ما يوازي المبلغ بحسب سعر صرف 1515. المُعترض الأبرز على قرار الحاكم الجديد (لم يُطبّق بعد) هو المصارف، التي تستقبل دولارات النازحين، وتعتبرها المصدر الأول، وشبه الوحيد، للعملة الصعبة
تملك المنظمات الدولية حسابات لدى عدد من المصارف التجارية اللبنانية، وتُحوّل إليها الأموال / المساعدات التي يجب توزيعها على النازحين المُستفيدين من البرنامج. بعد شح الدولارات في المصارف، وانهيار سعر الصرف، ووجود واجبات عديدة على المصارف الالتزام بها، وأبرزها إعادة تكوين حساب بالدولار في الخارج لدى المصارف المراسلة، بدأت البنوك في لبنان عملية «السلبطة» على الدولارات. فقرّر بعضها الاحتفاظ بالعملة الصعبة، وإعطاء النازحين ما يُقابلها بالليرة اللبنانية، بحسب سعر المنصة المُحدّد بـ3900 ليرة لبنانية… إلى أن قرّر مصرف لبنان الدخول إلى هذا «الملعب». ناقش مع المصارف «اقتراحه» أن تُقفَل هذه الحسابات لديها، ويُستعاض عن ذلك بإرسال الأموال مُباشرةً من المنظمات الدولية إلى مصرف لبنان، الذي سيتولّى عملية توزيع المبلغ إلى مُستحقيه، بالليرة اللبنانية. ماذا عن الدولارات؟ هدف الحاكم من هذا القرار «إعادة تكوين» حساب العملات الصعبة لديه، مُتحجّجاً بأنّها الوسيلة الوحيدة للاستمرار في دعم استيراد المشتقات النفطية والدواء والقمح. وقد افتتح سلامة مسار الاستحواذ على دولارات المساعدات مع قرض البنك الدولي البالغ 246 مليون دولار، يُفترض أن توزّع على الأسر الأكثر فقراً، مُتفقاً مع «البنك الدولي» على أن يتمّ دفع المساعدات بالليرة على سعر 6250 ليرة. فالجزء الوحيد المعروف في هذا الإطار، أنّ احتياطيات «المركزي» لم تعد تكفي. كم تبلغ؟ نائب الحاكم سليم شاهين قال في اجتماع للجان النيابية إنّه 800 مليون دولار. رياض سلامة قال في مقابلة مع قناة «الحرة» إنّه يوجد مليارَي دولار قابلة للاستعمال. أما وزارة المالية، فأبلغت رئاسة الحكومة (التي بدورها راسلت مجلس النواب) أنّ الاحتياطي القابل للاستخدام أقل من 600 مليون دولار. أمام هذا الواقع «الضبابي»، وترداد سلامة الدائم أنّ «اتّكال الدولة عليه» وأنّه مُضطر إلى أن «يبحث عن بدائل في غياب سلطة تنفيذية، واتفاق مع الدائنين الغربيين»، لا يبقى أمام السلطة النقدية (مصرف لبنان) سوى أخذ دولارات المساعدات. إلا أنّ سلامة لم يحسم بعد إن كانت «المبالغ ستُدفع على أساس سعر المنصة أو سعر الصرف الذي اعتُمد لمساعدات قرض البنك الدولي».
يقول مسؤولون ماليون إنّ سلامة «لا يقدر، تقنياً، على أن يحصر إرسال الدولارات من الخارج بالمصرف المركزي». فالاتفاق مع البنك الدولي «نجح لأنّ القرض مُخصّص للدولة»، أما في حالة أموال النازحين والمستفيدين من برامجهم «فجُزء منها، وربما يكون الأكبر، لا يمر عبر الدولة، والحسابات مفتوحة لدى مصارف تجارية. بإمكان الأخيرة أن تعقد اتفاقاً مع المؤسسات الدولية، لتُرسل الأخيرة الأموال إلى حسابات المصارف في الخارج مثلاً، فلا يعرف حتى بوجودها مصرف لبنان». الحلّ الوحيد أمامه «في حال تعذّر الاتفاق، هو إجبار المصارف عبر إصدار تعميم. ولكنّ التجارب السابقة تُظهر تمرّد المصارف على التعاميم التي لا تُناسبها». إلا أنّ مصادر مُقرّبة من سلامة تقول إنّه بسبب «عدم وضع خطة مالية (سلامة كان شريكاً رئيسياً في إسقاط خطة حكومة دياب)، وتوافق سياسي لتشكيل حكومة تقود مفاوضات مع صندوق النقد، وعدم موافقة أحد في الدولة على وقف دعم استيراد السلع، من أين سيأتي بالدولارات؟ هو بحاجة إلى هذه الخطوة، ولا مُشكلة تقنية في تطبيقها». توقعات سلامة تُشير إلى إمكان «تحصيل ما يُقارب ملياراً و200 مليون دولار في السنة».
توقعات سلامة تُشير إلى إمكان تحصيل ما يُقارب ملياراً و200 مليون دولار في السنة
ليست الدولارات المُرسلة من المنظمات الدولية وحدها «هدفاً» لسلامة، بل إيرادات وزارة الخارجية والمغتربين بالدولار أيضاً. تقول مصادر الأخيرة إنّ «الرسوم القنصلية، التي ينصّ القانون على أن تُرسلها البعثات اللبنانية في الخارج (سفارات وقنصليات…) إلى بيروت كلّ ثلاثة أشهر، يحتفظ بها مصرف لبنان لديه ويُحوّلها إلى الخزينة العامة بحسب السعر الورقي الرسمي، أي 1515 ليرة لكل دولار. في مشروع الموازنة 2021، ورد اقتراح بزيادة هذه الرسوم». وتنتقد المصادر إقدام مصرف لبنان على هذه الخطوة، «في الوقت نفسه الذي يتأخر في تحويل الأموال إلى السفارات، ويتحدّث الوزير شربل وهبة عن بحث إقفال بعثات دبلوماسية. لكن لو جرى تنظيم التصرف بالرسوم القنصلية، لكانت غذّت كلّ بعثة دبلوماسية نفسها، وخفّفت استنزاف الدولارات من الداخل إلى الخارج».
رياض سلامة: دعم السلع الرئيسية مُستمر ستة أشهر
الدولارات التي يؤمّنها المصرف المركزي لاستيراد القمح والوقود والأدوية، ستستمر ما بين خمسة وستة أشهر. هذا ما أبلغه الحاكم رياض سلامة لمجلة «EuroMoney» البريطانية، المُتخصصة في الشؤون المالية والأسواق المالية العالمية. قال سلامة في مقابلته إنّه لن يكون قادراً على الاستمرار لفترة أطول من ذلك، و«أمله الوحيد هو في حصول خرق سياسيّ، يؤدّي إلى دعم لبنان مالياً، وإلى الاتفاق على برنامج مع صندوق النقد الدولي».لقراءة كافة المقال اضغط هنا