إذا خرج واحدنا وطرح السؤال على جمع من المسؤولين عن هذا البلد، فقال لهم: “أين أنتم من جوعنا وعوزنا؟”. أكثرهم صدقاً سيكتفي بالصمت. أما البقية فستصدح حناجرهم بما اعتادوا أن يسمعوننا إياه يومياً على الشاشات. حياة سياسية شديدة الضحالة.
في المحصلة، تتصرف الزعامات اللبنانية وكأن البلد بألف خير. وهذا يدل على مبلغ البؤس الذي نحن فيه. كأننا في حاجة إلى ما هو أكبر من إنفجار المرفأ ليتنحى المتاجرون بدمائنا وحياتنا ومستقبلنا، ويتركوا لمن يستحق فرصة النهوض بالوطن بالتعاضد مع اهل العزم والخير ومن يملكون حس الوطنية من القيادات.
ما يجري في لبنان، بعيداً من أي عاطفة، حق مشروع لأناس يحيون في بلد بات يُعد من الأشد فقراً، فيما لا تحرك السلطة ساكناً. كأنه من عالم آخر، وكأنه من المؤكد أننا شعب متروك لمصيره.
تحدد السلطة الشكل المطلوب من التظاهر والإحتجاج. تريد أن تفرض على الناس “اتيكيت” معين للتعبير عن أوجاعهم. وهذا، في منطق الإحتجاج غير موجود إلا عندنا. إذ كيف تطلب سلطة أفقرت الناس أن يلتزموا حدود الإحتجاج والا، كأنها تطلب منهم النزول إلى حفل ثم العودة الى بيوتهم؟
وما يزيد الطين بلة الإغلاق المفروض بسبب الإستهتار اللبناني بقواعد السلامة من “كورونا”، الذي أجبرنا على التزام البيوت لدخولنا مرحلة كارثية في صحبة هذا الوباء العالمي.
كل عوامل الإنفجار حاضرة. حتى المسؤولون عن كل أزماتنا يتحدثون عن الأمر وكأنه تحصيل حاصل. حسناً. هذا يعني أن الغضب قد لا يتوقف على منطقة. الغليان قد يمتد من بقعة إلى أخرى، ولن تنفع معه المسكّنات التي أعطيت للناس منذ انتفاضة العام 2019 لإسكاتهم.
الفقر والذل والحاجة هي نفسها في معظم المناطق اللبنانية. وهذا يرجح اتساع رقعة الاحتجاجات، على أمل أن تعيد الزخم الى التنوع الطائفي والمناطقي، والتعلم من تجربة العام 2019.
فالإحتجاجات قد تكون فاتحة عهد جديد، بالقدر نفسه الذي قد تتحول فيه كتلة نار تحرق كل شيء.
الوعي بأن العنف يجب أن يقف عند حدّ. وأن التعاطف مع عناوين الإحتجاج قد ينقلب ضد المحتجين إذا استمروا في عنفهم. فوضيعتهم هذه تجعل من اختراقهم وتوجيه تحركهم أمراً بالغ السهولة.
من المؤكد أن تدهور الوضع يفتح الباب أمام كل أشكال الإستغلال، سواء من قبل أطراف داخلية أو خارجية عبر أجهزة مخابراتها. والخطير أن تنجح هذه الأطراف التي لا تشبع من نهشنا سواء كنا أحياء أو أموات، لفرض معادلة جديدة تجعل من أي احتجاج مفتاحاً للفوضى والعنف ضد قوى الأمن والجيش. وهذا يعني أننا سنموت بطيئاً. إذ لا قدرة لنا على الإحتجاج. ولا قدرة لنا على الصمود.