الجمعة, نوفمبر 22, 2024
الرئيسيةأخبار عربية وعالمية"الرجل الثاني" في البلاد: قصة تتكرر وطموح يؤدي الى التهلكة

اضغط على الصورة لتحميل تطبيقنا للأخبار والوظائف على مدار الساعة 24/24

spot_img

“الرجل الثاني” في البلاد: قصة تتكرر وطموح يؤدي الى التهلكة

انضم الى قناتنا على الواتساب للأخبار والوظائف على مدار الساعة 24/24

spot_img

انضم الى قناتنا على التلغرام

spot_img

انضم الى مجموعتنا على الفيس بوك

spot_img

تحت عنوان “إسماعيل” و”إسماعيل” كتب وجيه وهبة في “المصري اليوم” مقالا يروي قصة الخديوي إسماعيل خامس حكام مصر (عام 1863) مع “الرجل الثاني خلال حكمه” وهو الوزير “إسماعيل المفتش” الذي تولى منصب رئيس ديوان المالية.

كان نموذجًا لقصة تتكرر كثيرًا في عالم السياسة منذ قديم الزمان.. قصة “الرجل الثاني”- في البلاد التي تسمح بوجود الرجل الثاني- ذلك الذي يؤدي به طموحه الزائد إلى التهلكة، أو يُضحي به “الرجل الأول”، ويرسله إلى عالم النسيان، ككبش فداء، إذا ساءت الأمور وكان يعلم أكثر مما ينبغي علمه.

وهنا نص المقال:
“بعد أن انْفَضّت الاحتفالات العالمية الباذخة، التي أقامها الخديوي إسماعيل، بمناسبة افتتاح قناة السويس، وبعد مرور بضع سنوات من البناء والتعمير والتحديث في مختلف المجالات، راحت السَّكْرة وجاءت الفكرة.. بدأت المشاكل تتصاعد، مشاكل تسديد الديون، القروض التي أُنفقت على كل ما سلف ذكره، وما لم يُذكر.
لم تكن مؤامرات وأطماع الدائنين وحدها هي سبب كارثة الديون وتداعياتها السياسية والاقتصادية، بل كان هناك أيضًا جزء كبير يرجع إلى فساد ورعونة الجانب المصري. كان هناك رجل لعب دورًا كبيرًا في تلك الكارثة- بالإضافة إلى الخديوي- رجل شغل مناصب مهمة في تلك الفترة، ألا وهو”إسماعيل صديق باشا”، الشهير باسم “إسماعيل المفتش”.

 

شغل “إسماعيل المفتش” منصب رئيس ديوان المالية (وزير المالية) لمدة ثماني سنوات. كان أخًا في الرضاعة للخديوي إسماعيل، وتمتع بثقته وصداقته الحميمة، فأصبح قويًا مُهابًا، وسُمى “الخديوي الصغير”، وبالطبع مارس “المفتش” كل ما هو معهود من مؤامرات بلاط القصور لإبعاد منافسيه عن أُذُن الخديوي، بل العمل على التخلص من بعضهم اغتيالًا، فرهبه الجميع وكرهوه.

كوزير مالية، عارض “إسماعيل المفتش” المقترحات الأجنبية لحل مشكلة ديون مصر، تلك التي تقدم بها مندوبو الدائنين. رأى فيها المساس بالسيادة والحقوق المصرية، والظلم البَيِّن. ويرى المؤرخ “إلياس الأيوبي”، في كتابه “تاريخ مصر في عهد الخديوي إسماعيل باشا”، أنه وإن كان “المفتش” مُحِقًّا في رأيه هذا، إلا أنه لا يُغفر له دوره في هذا الوضع البائس، بما عقده- كوزير مالية- من اتفاقيات قروض سيئة وفاسدة، والدليل على ذلك “ما دخل جيب وزير المالية (المفتش) من رشاوى”، على حد قول المؤرخ، وأُجبر “المفتش” على الاستقالة.

في أحد أيام الجمعة من شهر تشرين الثاني (1876) استدعى الخديوي صديقه الوزير “المستقال” “المفتش” إلى قصر عابدين، ذهب “الرجل” فرِحًا وهو يظن أن الحظوة قد عادت إليه. دعاه الخديوي إلى الخروج للنزهة، فركب معه عربته، وانطلقا من “عابدين”، وعبرا كوبري قصر النيل، ودخلا قصر “سراي الجزيرة” (فندق ماريوت حاليًا)، وحال دخولهما القصر، يسرد لنا “الأيوبي” ما حدث: “نزل الخديوي أولًا، فرآه ضابط الحرس القائم هناك، فصرخ بجنده أن يقدِّموا التحية العسكرية، فقدموها، فأومأ إليه الخديوي بالاقتراب، فدنا الضابط منه، فأمره أن يلقى القبض حالًا على المفتش، وكان هذا نازلًا من العربة، فلما سمع إسماعيل صدِّيق الأمر ضحك أولًا لاعتقاده أنه مزاح، ولكن الخديوي دخل السراي بدون أن يوجِّه إليه أي كلمة، ولكن الجند بسطوا أيديهم عليه وأمسكوه من عنقه، وجرُّوه بعنف من رحبة السراي الفسيحة إلى مدخلها الواسع، فمن حجرة إلى حجرة حتى قاعة صغيرة في مؤخرة البناء، أقفلوها عليه، وأقاموا عند مدخلها حارسًا”.

يورد “الأيوبي” بعد ذلك رواية ضابط سابق في المعية الخديوية، يُدعى “إسحاق”، يقول فيها: “بعد إلقاء القبض على المفتش بساعة، استُدعيت إلى الحجرة التي كان ذلك الوزير محبوسًا فيها، فوجدت هناك الأمير حسن باشا واقفًا عند الباب، والمفتش مُجرَّدًا من ملابسه في أحد أركانها، فأومأ الأمير إلىَّ بيده، فدنوت منه، وسلّمت السلام العسكرى، فهمس في أذني أمرًا قاضيًا باستعدادي لنقل المفتش، في الليل، إلى الباخرة التي أُعدت للسفر به إلى دنقلا، إلا إذا مات، فأدركت أن موته مرغوب فيه، لا سيما أنه بعد قوله (إلا إذا مات)، سلَّم إلىَّ المفتش- عهدتي- وتوجه إلى مكان آخر، فسِرْت حينئذ إلى المفتش، وألقيته على ظهره، وكمّمت فمه بيدى اليسرى لكيلا يُسمع له صراخ، وأقبلت أسحق خصيتيه بيدى اليمنى، فقاومنى مقاومة عنيفة، بالرغم من أنه كان نحيف البنية”. ويواصل الرجل وصف جريمة البلاط: «شددت عليه شدة أخمدت معها أنفاسه، فسقط تحتى جامدًا، ودُقَّ رأسه بالأرض، ولما جَنَّ الليل لُفَّت جثته في قماش، وضُمَّت إليها مثقلات جَمّة، ونُقلت إلى ظهر الباخرة الراسية عند قدمى السراي، فسارت بها نحو الجنوب، حتى إذا جاوزت جزيرة الروضة طرحت تلك الجثة في النيل، فوارتها الأثقال في أعماقه”.

ويستطرد “الأيوبي”: “في صباح اليوم التالى نشرت الجريدة الرسمية المصرية البيان التالى: إن إسماعيل صديق باشا، وزير المالية السابق، سعى إلى تدبير مؤامرة ضد سمو الخديوي، بإثارة عواطف الأهالى الدينية ضد المشروع الذى اقترحه حضرتا المستر جوشن والمسيو چوبير، فاتهم الخديوي ببيع مصر إلى المسيحيين، وأقام نفسه مقام المدافع عن بيضة الدين ومصلحة البلد، فأبلغ مفتشو الأقاليم العموميون ورجال البوليس سر هذه المساعى، وأيّدتها عدة عبارات وردت في كتاب أرسله صديق باشا عينه إلى سمو الخديوي، يرفع به استقالته إلى سموه، فلدى تلقى الخديوي أنباء خطيرة كهذه، طرح الأمر على مجلسه الخصوصى ليرى رأيه فيه، فحكم المجلس على إسماعيل صديق باشا بالنفي إلى دنقلا (بالسودان)، وسجنه هناك سجنًا سحيقًا”.

ثم تعلن السلطات المصرية بعد عدة أسابيع عن وفاة “المفتش” في سجنه بدنقلا جراء إسرافه في شرب الخمر. وفي واقع الأمر أنه لم يصل أبدًا إلى “دنقلا”، فقد كان مستقرًا في قاع النيل في الروضة. ويقوم الخديوي ببيع وتوزيع ممتلكات وثروات “المفتش” الهائلة، والعدد العديد من إمائه وجواريه.

مسيرة حياة “إسماعيل صديق.. المفتش” تحمل كل مواصفات الشخصيات الدرامية منذ البداية الغامضة، وما تلاها من تقلبات وإثارة، وحتى النهاية الأشد غموضًا. كان نموذجًا لقصة تتكرر كثيرًا في عالم السياسة منذ قديم الزمان.. قصة “الرجل الثاني”- في البلاد التي تسمح بوجود الرجل الثاني- ذلك الذى يؤدى به طموحه الزائد إلى التهلكة، أو يُضحي به “الرجل الأول”، ويرسله إلى عالم النسيان، ككبش فداء، إذا ساءت الأمور وكان يعلم أكثر مما ينبغى علمه.

اختلف المؤرخون على أسباب تخلص “الخديوي إسماعيل” من دراعه اليمين.. “إسماعيل صديق.. المُفتش”، فمنهم من يُرجح اكتشاف الخديوي تآمُر “إسماعيل المفتش”، إذ حاول تأليب الناس عليه (على الخديوي)، واتهامه بأنه المتهاون في حقوق مصر، ومنهم مَن يقتنع بأن السبب هو أن “المفتش” كان عقبة في سبيل وصول الخديوي إلى اتفاق مع المُقْرِضين على مشكلة الديون، فرأى التخلص منه. تتعدد الروايات ولكنها لا تختلف في أن “آخرة خدمة الغز علقة”.

المصدر: لبنان 24

Ads Here




مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة