ارتفعت أسعار النفط الخام أمس، بفعل أربعة عوامل تمثلت في التفاؤل بخطط التحفيز المالي الأمريكية وتوقعات انكماش النفط الصخري، إضافة إلى جهود “أوبك +” في تقييد المعروض النفطي خاصة بعد التخفيضات الطوعية السعودية التي بلغت مليون برميل يوميا إلى جانب تأثير تسارع التطعيم بلقاحات كورونا الجديدة في مختلف دول العالم.
ويقاوم إحراز المزيد من المكاسب السعرية قرارات حكومات متعددة بالتمسك بالإغلاق العام لمحاصرة الإصابات الجديدة والحد من الانتشار السريع لوباء كورونا في ظل السلالات الجديدة، ما عمق حالة المخاوف من فرص تعافي الطلب في ظل تصاعد ذروة الأزمة الراهنة.
ويقول لـ”الاقتصادية” مختصون ومحللون نفطيون أن منتجي “أوبك +” يتأهبون إلى اجتماع شهري جديد في أوائل شباط (فبراير) لمراجعة معطيات السوق وتدقيق أحدث بيانات العرض والطلب والمخزونات في ضوء تثبيت “أوبك +” لحجم الإنتاج عند مستوى كانون الثاني (يناير) الجاري، مشيرين إلى وجود التزام ومطابقة جيدة من أغلب المنتجين خاصة روسيا أكبر المنتجين من خارج “أوبك” حيث من المتوقع أن تحافظ مصافي التكرير الروسية على إنتاجية منخفضة في شباط (فبراير) حيث لا تزال العوامل الاقتصادية غير مواتية ومن المحتمل أن تبدأ زيادة الإنتاجية في آذار (مارس) مع زيادة الطلب على المنتجات.
وفي هذا الإطار، يقول سيفين شيميل مدير شركة “في جي إندستري” الألمانية إن حالة عدم اليقين الخاصة بتعافي الطلب والاقتصاد العالمي ما زالت مهيمنة على الأسواق وأدت إلى تراجع العقود الآجلة للنفط الخام بسبب المخاوف المتعلقة بالوباء، مشيرا إلى أن المكاسب السعرية بسبب تقليص العرض لا تصمد طويلا تحت ضغوط انتشار الجائحة وآفاق تعافي الطلب الضبابية.
وعدّ أن استمرارية الإغلاق العام في أوروبا وامتداده أخيرا إلى مدن صينية عديدة أدى إلى تفاقم المخاوف على الطلب التي تهيمن بقوة على السوق ولكن في المقابل نجد إجراءات حكومية مؤثرة وعلى رأسها خطة التحفيز المالي الأمريكية التي يمكن أن تنعش الاقتصاد العالمي في ظل هذه الأجواء القاتمة والتي اتسعت مع ظهور السلالات الجديدة من وباء كورونا وانتشارها في عديد من دول العالم.
ويرى روبين نوبل مدير شركة أوكسيرا الدولية للاستشارات أن صعود الأسعار يتجدد من آن إلى آخر بفعل التحفيز الأمريكي وانتشار اللقاحات الجديدة واستمرار نجاح “أوبك +” في تقييد المعروض النفطي علاوة على الكساد المتوقع في إمدادات الولايات المتحدة من النفط الخام جراء توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة المنحازة بقوة إلى الطاقة المتجددة التي قلصت مكاسب عديدة حصل عليها الوقود الأحفوري في ظل الإدارة الأمريكية السابقة.
وأضاف أن تقلص المعروض في السوق هو خطوة حيوية نحو استعادة التوازن خاصة في ضوء توقعات باستغراق الطلب بعض الوقت لتحقيق التعافي الكامل من تداعيات الجائحة، مشيرا إلى أهمية الإجراءات الحكومية الحالية مثل جهود دول آسيا والمحيط الهادئ المتواصلة لمكافحة الوباء وتمسك دول في أوروبا بفرض قيود أكثر صرامة للحد من انتشار سلالات الفيروس المتحورة.
ويقول ماركوس كروج كبير محللي شركة “أيه كنترول” لأبحاث النفط والغاز إن أغلب المنتجين في “أوبك +” يبدون التزاما واسعا في قيود خفض المعروض حتى الدول التي سجلت زيادات سابقة تمضي قدما في إجراءات تعويض خفض الإنتاج المطلوب وأبرز مثال على ذلك العراق الذي خفض إنتاجه النفطي وضخ 3.6 مليون برميل يوميا هذا الشهر والشهر المقبل وهو أدنى مستوى منذ 2015.
ولفت إلى أن “أوبك +” تؤكد في كل اجتماع قدرة التحالف على الحفاظ على الوحدة والتماسك والعمل من أجل تحقيق التوازن بين العرض والطلب في الأسواق في ظل تصاعد وتيرة أزمة فيروس كورونا، لافتا إلى قناعة السوق وكل أطراف الصناعة بقدرة تحالف “أوبك +” على التدخل بشكل حاسم في أوقات الأزمات لمصلحة دعم استقرار السوق وازدهار الصناعة رغم كل التحديات.
وتشير مواهي كواسي العضو المنتدب لشركة “أجركرافت” الدولية إلى أن بقاء “أوبك +” كجبهة موحدة لمكافحة التأثير السلبي للوباء في الطلب هو إنجاز مهم للغاية وسيكون المحرك الرئيس نحو التعافي الكامل لأسواق النفط الخام الذي يأمل كثيرون أن يتم خلال العام الجاري.
ونوهت إلى تفاؤل كثيرين من تسارع وتيرة السحب من فائض المخزونات النفطية الأمريكية مشيرة إلى بيانات صادرة عن “ستاندرد آند بورز” ترجح انخفاض المخزونات بمقدار 1.7 مليون برميل إلى نحو 484.9 مليون برميل وهو المتوقع أن تؤكد عليه بيانات معهد البترول الأمريكي هذا الأسبوع.
من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، ارتفعت أسعار النفط الخام نحو 1 في المائة، أمس الأول بدعم من تفاؤل يحيط بخطط التحفيز المالي في الولايات المتحدة وقلق بشأن الإمدادات، لكن مخاوف إزاء الطلب أثارتها موجة جديدة من إجراءات العزل العام لاحتواء فيروس كورونا قيدت المكاسب.
وأنهت عقود خام برنت القياسي العالمي جلسة التداول مرتفعة 47 سنتا، أو 0.9 في المائة، لتسجل عند التسوية 55.88 دولار للبرميل في حين أغلقت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط مرتفعة 50 سنتا، أو واحدا في المائة، عند 52.77 دولار للبرميل.
وقالت شركة بترو لوجيستكس المتخصصة في تتبع ناقلات النفط الإثنين إن امتثال منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها لتخفيضات الإنتاج في كانون الثاني (يناير) يبلغ في المتوسط 85 في المائة.
وتوحي البيانات بأن المجموعة المعروفة باسم “أوبك +” حسنت التزامها بقيود الإمدادات التي تعهدت بها. ومن ناحية أخرى، فرضت دول أوروبية قيودا مشددة لوقف انتشار فيروس كورونا بينما أعلنت الصين زيادة في الإصابات الجديدة بالفيروس وهو ما يلقي شكوكا على آفاق الطلب في أكبر مستهلك للطاقة في العالم.
ورفع بنك باركليز توقعاته لسعر النفط للعام 2021، لكنه قال إن تزايد الإصابات بالفيروس في الصين قد يسهم في تراجعات للأسعار في الأجل القصير.
إلى ذلك ارتفعت سلة خام “أوبك” وسجل سعرها 54.85 دولار للبرميل أمس الأول مقابل 54.69 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول أوبك أمس إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول ارتفاع عقب عدة انخفاضات سابقة وإن السلة كسبت نحو دولار واحد مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 53.92 دولار للبرميل.
المصدر : الاقتصادية