على الطريق نحو “جهنّم”، تستمر مؤشرات انهيار المناعة الحيوية بالتمظهر تباعاً، وآخرها انقطاع “الأوكسيجين” وانضمامه إلى باقة السلع المتداول بها في السوق السوداء، بينما السلطة التي تعيق بإجراءاتها البيروقراطية التافهة عملية إدخال أجهزة تنفس جديدة إلى البلد، تمارس على المقلب الآخر من المشهد دور “النعامة” في التعامي عن خط التهريب المفتوح على مصراعيه إلى سوريا عبر أرتال من الشاحنات اليومية المحملة بالمازوت والبنزين والمواد الغذائية، ناهيك عن دخول المواد المدعومة إلى سوق المحسوبيات الحزبية والمناطقية حيث أخذ “حزب الله” المبادرة عن الدولة وعمد خلال الأيام الماضية إلى توزيع أطنان من المازوت المدعوم من الخزينة في مناطق نفوذه في البقاع وبعلبك الهرمل.
الدولة تتحلّل والنقاش في تشكيل حكومة إنقاذية لا يزال غارقاً في البحث عمن يبادر إلى تطييب الخواطر بين بعبدا وبيت الوسط وإعادة لمّ الشمل بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، تحت وطأة إلحاح البطريرك الماروني بشارة الراعي وضغطه المتصاعد لحثّ عون على دعوة الحريري إلى لقاء “غسل قلوب” يزيل “لطخة” الإهانة التي تعرض لها على لسان الأول. في حين، تنقل مصادر واسعة الإطلاع أنّ ضغط بكركي في هذا الاتجاه بات يشكل عنصراً مربكاً لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي يبدو في الآونة الأخيرة وكأنه “ملبّك” في إيجاد السبل الآيلة لمقارعة المبادرة الكنسية، بعدما باءت بالفشل كل محاولاته السابقة لإجهاضها أو الالتفاف على جوهرها، بفعل إصرار الراعي على المضي قدماً في مبادرته والنأي بها عن “المعايير المفتعلة” ومنزلقات العصبية الطائفية التي سعى باسيل إلى تأجيجها “في النفوس والنصوص” عبر شعارات تحاكي تحصين الشراكة المسيحية في عملية التأليف.
وعلى إيقاع مبادرة بكركي “المدعومة من الفاتيكان”، تتكثف الجهود المتقاطعة بين أكثر من طرف لإعادة وصل ما انقطع بين عون والحريري، بحيث أعاد رئيس مجلس النواب نبيه بري إدارة محركاته بمؤازرة من “حزب الله” في هذا الاتجاه، ولوحظ خلال الساعات الأخيرة استئناف المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم حراكه المكوكي بين قصر بعبدا وبيت الوسط عبر زيارتي “جسّ نبض” قام بهما لاستشراف الآفاق المتاحة حيال إمكانية إيجاد أرضية مشتركة يمكن التأسيس عليها حكومياً بين الضفتين، وفق تعبير مصادر مواكبة للحراك المستجد، موضحةً أنّ النقاش راهناً لم يخرج بعد عن دائرة السؤال: “من يبادر أولاً عون أو الحريري؟”.
وتنقل المصادر أنّ الراعي “لا يهدف من مبادرته إلى مجرد الجمع بين عون والحريري بل الوصول إلى نتيجة في تشكيل الحكومة الإنقاذية المنتظرة، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا عبر عقد لقاء بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف باعتباره ممراً دستورياً إلزامياً للتأليف”، مشيرةً في الوقت عينه إلى أنّ البطريرك حثّ عون على المبادرة إلى دعوة الحريري إلى اللقاء “من منطلق أنّ ذلك سيعتبر بمثابة “رد اعتبار” للرئيس المكلف بعد الإساءة اللفظية التي طالته في فيديو بعبدا المسرّب، ومن جهة ثانية يكون رئيس الجمهورية بذلك قد أبقى المبادرة في يده للدفع نحو تذليل العقد والعقبات التي تحول دون ولادة الحكومة”.
في الغضون، وعلى قاعدة “انتظرناها من طاولة الحوار في بعبدا فأتتنا من مجلس الشورى في طهران” علّقت أوساط سياسية معارضة على الإعلان أمس عن إعداد “مشروع قرار” قيد الإقرار في البرلمان الإيراني لإنشاء “معاهدة دفاعية أمنية” تضم مختلف الدول الخاضعة لـ”محور المقاومة” تحت إطار استراتيجية موحدة للدفاع تنصّ على وجوب أن تبادر المجموعات المسلحة في هذه الدول (التي أطلق عليها المشروع اسم “حركات التحرر الأعضاء في هذه المعاهدة” التي تحظى بتأييد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني)، الى “تقديم الدعم الشامل من كل النواحي العسكرية والسياسية والاقتصادية حتى درء الخطر” المتأتي عن أي اعتداء إسرائيلي يقع على أي من الأراضي المشمولة بهذه المعاهدة.
وإزاء ذلك، ترى الأوساط أنّ “ذلك يعني أنّ طهران أدخلت عنوة الدول الواقعة تحت تأثير نفوذ أذرعها العسكرية في المنطقة ضمن إطار “استراتيجية دفاعية” إيرانية عابرة للحدود والسيادات الوطنية، بما يشمل لبنان حكماً حيث يشكل سلاح “حزب الله” العمود الفقري لهذه الاستراتيجية”، داعيةً في المقابل رئيس الجمهورية إلى “المبادرة فوراً إلى إعادة إحياء ملف “استراتيجية الدفاع الوطني” التي سبق أن وعد في بداية عهده ببحثها وإقرارها، لأنّ الاستمرار في التلكؤ بطرح هذا الملف على طاولة الحوار يساهم عن قصد أو غير قصد في تكريس فراغ سيادي على مستوى الإمرة الدفاعية عن لبنان، ويتحمل تالياً مسؤولية مباشرة عن إفساح المجال أمام طهران لملء هذا الفراغ عبر تسخير الأراضي اللبنانية كمنصة صواريخ متقدمة تحت لواء استراتيجيتها الدفاعية”.
المصدر: نداء الوطن