لطالما كان رئيس مجلس النواب نبيه بري أول المبادرين على خطّ “الأزمات” الحكومية، فيُخرِج أرنبًا من هنا، أو يقود “وساطة” من هناك، بدافع تقريب وجهات النظر، فتولَد الحكومة على يديه، ولو أنّ لا دور له على خطّ التأليف، بمقتضى الدستور.
لكن، وبخلاف ما اعتاد عليه تاريخيًّا، إن جاز التعبير، يبدو أنه بعيدٌ عن المبادرات الحاصلة، على قلّتها، التي تختلط فيها أسماء “الوسطاء”، من البطريرك الماروني بشارة الراعي، إلى المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم، من دون أن يُرصَد له أيّ دورٍ حقيقيّ وفعليّ يمكن أن يفضي إلى ولادة الحكومة.
أبعد من ذلك، يذهب البعض، ليلاحظ أنّ تصريحات بري، “النادرة” أيضًا في هذه المرحلة بخلاف العادة، باتت تخلو من أيّ إشارةٍ إلى الهمّ الحكوميّ، وكأنّ الرجل الذي لطالما كان الجميع ينتظرون إشاراته ورسائله لتحليلها وتفسيرها وقراءة ما خلف سطورها، ليس لديه شيءٌ ليقوله، وسط كلّ “المعمعة” الحاصلة، فيكتفي بـ”المتابعة عن بُعْد”.
يأس واستسلام؟!
يرفض العارفون بأدبيّات رئيس مجلس النواب الاستنتاج القائل بأنّ الأخير أبعد نفسه بنفسه عن “البازار” الحكوميّ، من مبدأ “اليأس والاستسلام”، أو حتّى من منطلق “العجز”، نتيجة قناعته بعجزه عن تقريب “ذات البين” بين الرئيسيْن عون والحريري، اللذيْن يبدوان مصرَّيْن على الافتراق والاختلاف، مهما كان الثمن.
لكنّهم لا ينكرون أنّ بري “ممتعض” من المسار الذي أخذته الأزمة الحكوميّة، خصوصًا أنّه شهد في اليوم الأول للتكليف على “إيجابيّةٍ” قلّ نظيرها بين عون والحريري، حتى أنه خرج “مبشِّرًا” الصحافيّين بولادةٍ ميمونة وقريبة للحكومة، رغم الخطاب الناريّ الذي استبق به عون تكليف الحريري، وحاول خلاله ثني النواب عن “فعلتهم”.
ويذكّر المحسوبون على بري بأنّ “الأستاذ” كرّر، أكثر من مرّة، وفي مناسباتٍ عدّة، أنّ “ترف” تضييع الوقت من أجل بعض المكاسب السياسية الآنيّة، ليس مُتاحًا اليوم، وإن كان “تقليدًا” متَّبَعًا في تأليف الحكومات في لبنان، وهو حضّ المعنيّين على الإسراع في التأليف، من دون أن تجد كلماته الصدى المطلوب، حتى شعر أنّ “تكرارها” لن يُجدي أو ينفع.
في الوقت المناسب
ومع أنّ برّي يُحسَب، مبدئيًّا، في صفّ الحريري، وهو القائل بأنّه مع الأخير “ظالمًا أم مظلومًا”، وهو الذي اتُهِم بالوقوف “رأس حربة” ضدّ حكومة حسّان دياب، ومن داخلها، “كرمى لعيون الشيخ سعد”، فإنّ هناك بين المحيطين به من يؤكد أنّ “امتعاضه” يشمل، ضمن جملة من يشملهم، الحريري، الذي تمسّك ببعض العناوين التي قد تفسَّر “استفزازيّة” في مقاربته للتشكيل.
وفي المقابل، إذا كان “صمت” بري يفسَّر في بعض الأوساط على عدم وجود “نيّة” لديه بالتصعيد مع رئيس الجمهورية، في ظلّ العلاقة “الشائكة” أصلاً بين الجانبيْن، فإنّ مطّلعين يقولون إنّه لا يبرّئ الرئيس والفريق المحسوب عليه من “التأزّم” الحاصل، خصوصًا في ضوء التسريبات التي تتحدّث عن تمسّك بثلثٍ من هنا، وحقيبةٍ من هناك، في تكرارٍ لمعادلة “كرمى لعيون الصهر”، وكأنّ البلاد تتحمّل المزيد من المماطلة.
لكنّ ما سبق لا يعني أنّ رئيس البرلمان “معتكفٌ”، أو أنّه لن يدخل على خطّ الوساطة، إذ يقول العارفون إنّه جاهزٌ للتحرّك، متى شعر أنّ الوقت مناسبٌ لذلك، أو أيقن أنّ هناك فرصة حقيقيّة لأيّ “وساطة” يمكن أن يقودها، الأمر الذي لا يبدو “ناضجًا” اليوم، بحسب ما يقول هؤلاء، ممّن يعتبرون أنّ الحكومة برمّتها “مجمَّدة” حتى إشعارٍ آخر.
وبانتظار أن يحين موعد هذا “الإشعار الآخر”، يبقى السؤال الأكبر عن موقع المواطنين في المعادلة، وهم المتضرّرون الوحيدون من كلّ الأزمات التي تتوالى على الوطن، ويخرج منها السياسيّون بمغانم بالجملة، من دون اكتراثٍ بمصائب شعبٍ، كانوا هم السبب في استيلادها من الأساس…
لبنان24