كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن” تحت عنوان “بناء شبكة أمان اجتماعي حلّ وحيد لمحاربة الفقر”: “في الوقت الذي يتراوح فيه حجم شبكة الأمان الاجتماعي في الدول بين 1 و2 في المئة من الدخل القومي، تنخفض هذه النسبة في لبنان إلى أقل من 0.35 في المئة. الفقر يتعاظم، ونتائجه تزداد خطورة على المجتمع والاقتصاد. أمّا الحل المعتمد فما زال بمسكّنات المساعدات، والعمل على “تدجين” الفقراء لاستغلالهم أكثر.
أمين عام حزب الكتلة الوطنية بيار عيسى يقسم معالجة الفقر القديم والمستجد في لبنان إلى شقين رئيسيين: قصير وطويل الأمد. يتمثل الاول بالاستفادة الآنية من قرض كل من مجموعة البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار لمساعدة 170 الف عائلة، ومساعدة المجموعة الأوروبية ودولة المانيا لنحو 30 الف عائلة أخرى. لنصل في المحصلة إلى تقديم مساعدة مادية مباشرة لنحو 200 الف عائلة، أو ما يعني نحو مليون لبناني. أمّا في حال رفع الدعم فهناك اقتراح من البنك الدولي بمساعدة 80 في المئة من الشعب اللبناني على 5 سنوات، على اساس تقديم 50 دولاراً بالشهر للشخص الراشد. وبكلفة 1.5 مليار دولار للسنة الأولى، تتناقص تدريجياً على 4 سنوات. على ان تؤمن الجمعيات الدولية 500 مليون دولار سنوياً، نصفها قرض ونصفها هبة لمساعدة الدولة في توفير المبالغ. وبالتالي تنخفض الكلفة الاجمالية للدعم الملقاة حالياً على عاتق البنك المركزي من حوالى 4.6 مليارات دولار إلى 1250 مليون دولار في السنة الاولى منها 250 مليون دولار كدين طويل الامد. في الوقت عينه يستمر الدعم لشركة الكهرباء ولاستيراد الادوية في السنة الاولى ليعود وينخفض تدريجياً في السنوات الاربع اللاحقة.
أما الشق الثاني، فيتمثل باعادة تفعيل الدورة الاقتصادية ودعم الاستثمارات في القطاعات الانتاجية التي تولد الثروات وفرص العمل، والوصول إلى رؤية واضحة سيادية تضمن التوزيع العادل للمداخيل مع سياسة ضرائبية عادلة. حيث من المستحيل ان يعيش بلد على المساعدات لخلق شبكة أمان إجتماعي. وهنا بيت القصيد.
العاصفة المثالية
يعاني لبنان اليوم من أزمة مثلثة الرؤوس احكمت قبضتها عليه. فهناك الازمة الاقتصادية المتمثلة في انكماش يقُدّر باكثر من -25 في المئة في العام 2020، وأزمة مالية تتمثل بعجز هائل في الموازنة وتراكم الدين، وازمة نقدية تتمثل في انهيار القدرة الشرائية وفقدان العملة الصعبة. يضاف اليها بحسب عيسى “أزمة سياسية وازمة اجتماعية، ليس من المستبعد ان ينتج عنها جميعاً أزمة أمنية”. المشكل الاساسي تمثل منذ 17 تشرين الاول برأي عيسى في “مواجهة الحكومة الخاطئة للازمات الاقتصادية والاجتماعية. حيث لم تجد طريقة لمكافحة إنهيار سعر الصرف والقدرة الشرائية، ومعالجة آفة البطالة والفقر اللذين يتفاقمان بمعدلات كبيرة… غير الدعم العشوائي. وهذا الدعم لم يصبّ في الحقيقة إلاّ في مصلحة التجار والمحتكرين والمهربين الذين راكموا ثروات على حساب الفقراء الذين زادت أعدادهم بنسب كبيرة”. فالطبقة الفقيرة أصبحت تشكل بحسب الارقام التي جمعتها “الكتلة الوطنية” نحو 45 في المئة من السكان، أو ما يعادل 1.7 مليون شخص. وهي لم تستفد إلا بحدود 20 إلى 25 في المئة من دعم المواد الاستهلاكية، وبين 6 و7 في المئة من دعم البنزين. في حين ان الرواتب لا تغطي إلا 58 في المئة من حاجات العائلات. أمّا الباقي فيتأمن على الشكل التالي: 23 في المئة من الجمعيات، و11 في المئة من المغتربين، و8 في المئة فقط من الدولة. أما في حال سيناريو رفع الدعم كلياً، فمن المتوقع ان ترتفع نسبة الفقراء في لبنان إلى ما بين 80 و90 في المئة من السكان.
الأدوية
الدعم العشوائي كلف لبنان، أو المصرف المركزي، نتيجة دعم فرق قيمة العملة خلال العام 2020 بحسب دراسات “الكتلة” المبالغ التالية: القمح: 76 مليون دولار. الدواء: 322 مليون دولار. المعدات الطبية: 122 مليون دولار. المحروقات: 1391 مليون دولار. المواد الاولية للصناعة: 91 مليون دولار. السلة الغذائية: 560 مليون دولار. بمجموع بلغ 2545 مليون دولار. المفارقة بحسب عيسى ان “معظم المواد المدعومة قد جرى تهريبها بنسب كبيرة جداً إلى الخارج. وهذا ما لاحظناه في القمح والنفط والمواد الغذائية. أما الفشل الاكبر والذي فوت على لبنان مليارات الدولارات فتمثل في استمرار الدعم العشوائي على الدواء والمشتقات النفطية. وبحسب عيسى فان فاتورة الدواء السنوية في لبنان تتراوح بين 1.2 و2 مليار دولار. ما يعني ان حصة الفرد الواحد القاطن في لبنان، سواء كان لبنانياً أم أجنبياً تبلغ 350 دولاراً. في حين ان هذا الرقم لا يتجاوز 180 دولاراً في السعودية، و140 دولاراً في الامارات، و60 دولاراً في الاردن، و50 دولاراً في تونس.
ومن الملاحظ بحسب عيسى ان “فاتورة الدواء قد ضربت بـ 5.3 مرات من العام 1996 إلى العام 2016. حيث أننا نستورد أحياناً كثيرة 20 صنفاً من نفس الدواء لكن بغير اسماء. كما تبلغ قيمة فاتورة “البانادول” المستورد سنوياً 38 مليون دولار، في حين لا تتعدى فاتورة النوع نفسه المصنع محلياً أي “الفيبرادول” 2 مليون دولار. من هنا يمكن الاستنتاج من وجهة نظر عيسى ان “تغيير العادات وسياسة الشراء والتسويق التي يضطلع بها الاطباء من الممكن ان تخفض فاتورة الدواء السنوية بنسبة 50 في المئة بسرعة فائقة. ونعمل في المقابل على تشجيع الصناعة الدوائية الوطنية التي تزيد الانتاج المحلي، وترفع نسب التوظيف وتخلق قيمة مضافة”. ففي لبنان يوجد بين 8 و12 معمل دواء تؤمن نحو 2000 وظيفة بشكل مباشر، ونحو 6000 وظيفة بشكل غير مباشر. كما ان هناك 32 مختبراً دولياً من الممكن ان تساهم بتكبير وتعظيم صناعة الدواء. أما تخفيف الفاتورة، فهو يتطلب اختيار استيراد الادوية الأرخص ثمناً، أي “الجنريك” بمعدل نوعين فقط لكل مركب، وليس 35 نوعاً كما يجري اليوم. ومنع الإحتكار، وفتح المنافسة، ووقف التهريب، وتشجيع الانتاج المحلي. حيث انه بامكاننا انتاج نحو 41 في المئة من غالبية الادوية التي نستهلكها في مهلة زمنية تتراوح بين 6 و8 أشهر. وهذا يفترض بطبيعة الحال إعادة فتح المختبر المركزي الذي أقفل في العام 2006 لاعطاء التراخيص اللازمة والسريعة”.
لقراءة المقال كاملاً إضغط هنا.