فلبنان، الذي تباهى مسؤولون بـ “الانتصار على كورونا”، منذ الأيام الأولى، بات اليوم “يقاوم” تصدّر لائحة المتضرّرين من الوباء، مع تسجيله مستوياتٍ قياسيّة من الإصابات والوفيّات، في “تخبّطٍ” يسري حتى على خطّة وصول اللقاح إلى لبنان، رغم “تطعيم” مواطني معظم دول المنطقة، سواء الصديقة منها أو غير الصديقة.
أما على المستوى الاقتصادي، فلا يبدو أنّ المخاوف من الانعكاسات السلبيّة للإقفال كافية، في ظلّ تحذير منظّماتٍ دوليّةٍ من المزيد من “الكوارث الإنسانيّة” التي قد تكون في الأفق، وفي مقدّمها أزمة غذاء غير مسبوقة، فالتضخّم سبقها، شأنه شأن الغلاء الفاحش في الأسعار، التي لم تعد تتناسب مع قدرات اللبناني، في ضوء انهيار العملة الوطنيّة.
لقمة الفقير!
لعلّها “مفارقة” مُلفتة أنّ رفعًا جديدًا لسعر ربطة الخبز وقع هذا الأسبوع، من دون الكثير من الضجّة والطنّة والرنّة، بحيث أصبح ثمنها 2250 ليرة، بعدما كانت تُباع بـ 1500 ليرة، أضيف إليها 500 ليرة قبل أسابيع، في زيادةٍ قد تكون “رمزيّة”، لكنّ دلالاتها كبيرة، خصوصاً أنّها تُصنَّف على أنّها “لقمة الفقير”.
وإذا كان “عرّابو” القرار، وعلى رأسها وزارة الاقتصاد والتجارة، وجدوا ما يبرّرون به خطوتهم الأخيرة، لجهة الحديث عن ارتفاع أسعار القمح عالميًا، وهو ما يعني أنّ الغلاء سيشمل حين يدخل القرار حيّز التنفيذ الكثير من المواد الأخرى التي تعتمد على الطحين، فإنّ الأكيد أنّ هذه الأسباب لا تعني اللبنانيّين، الذين باتوا مقتنعين بأنّ الدولة تريد حرمانهم حتى من “لقمتهم”.
ومع أنّ البعض قد يعتبر أنّ زيادة 250 ليرة لا تستحقّ الكثير من “التضخيم”، وهي التي لم تعد تساوي أكثر من بضع سنتات، فإنّ مثل هذه المقاربة قد تبدو “سطحيّة” وأكثر، في بلدٍ بات “قِبلة” منظمات الإغاثة الدولية، للواقع “الكارثيّ” الذي يعيشه، وبعدما أصبح أكثر من نصف سكّانه تحت خط الفقر، واختفت الطبقة التي كانت توصَف سابقًا بـ “المتوسّطة” عن بكرة أبيها.
ولولا أزمة كورونا، ومقتضيات الإقفال الدوريّ المتكرّر، لنسي كثيرون أنّ هناك حكومةً لا تزال تصرّف الأعمال، علماً أنّ “التخبّط” ساد تعاملها مع الوباء أيضاً، فتارةً تتّخذ قراراً بفتح البلاد من دون أيّ مبرّر، وخلافاً لمعظم دول العالم، ويذهب رئيسها لحدّ وصف نسبة الإصابات بـ “المعقولة”، وطوراً تعلن “النفير العام”، فتقرّر الإقفال الجزئيّ، ثمّ توسّع نطاقه لإقفال عام، كانت أسبابه الموجبة متوافرة منذ ما قبل فتح البلاد لمناسبة الأعياد.
وفيما يسري “التخبّط” على قصّة اللقاح، التي لم يعد اللبنانيون يطمئنّون لـ “الوعود” الحكوميّة “القاطعة” بأنّه سيصل إلى لبنان الشهر المقبل، فإنّ السياسة تبدو، وسط كلّ هذه المعمعة، في “إجازة”، وكأنّ البلاد في أحسن أحوال، فهذا يضع شروطاً حول “حصّته” في الحكومة، وذاك يجاهر بأنّه يرفض “الانكسار”، وبينهما من يربط مصير الحكومة بمقعدٍ من هنا أو حقيبةٍ من هناك، في مشهدٍ بات مملاً وأكثر.
هو “التخبّط” اللبناني الذي يعلو ولا يُعلى عليه. “تخبّط” في الصحة، بعدما أصبحت الدول تحذر من زيارة لبنان، بل تحظر السفر منه وإليه، و”تخبّط” في الاقتصاد، بعدما باتت مستويات الفقر أكثر من “درامتيكيّة”، وتخبّط في السياسة، حيث يصرّ المسؤولون على أن يعيشوا في “كوكبٍ آخر”، وربما هذا ما يتمنّاه كثيرون، لكن بالمعنى الحرفيّ لا المجازيّ…